خلونا نتفلسف!

الإعلامية آلاء العمايرة

في بداية هذا المقال الفلسفي لابد لنا من التذكير ان الغاية من الفلسفة سأشبهها كجذع الشجرة القادرةً على التجدد إلى أشجار جديدة في كثير من الأحيان، ومن هذا التشبيه ، فان الغاية من الفلسفة لايمكن حصرها في جانب معين فقد حظيت الفلسفة بمكانة مرموقة طغت على كل مجال من مجالات المعرفة واحتلت موقع الصدارة وأطلق عليها “أم العلوم”. وحظيت بهذه المكانة والأهمية أيضاً عند معظم الفلاسفة ,والدارسين لها.
ف حياتنا التي نعيشها تعد الفلسفة الطريق الى إدراك حقائق الموجودات من خلال البراهين العقلية ، لا بالظن . فهي محاولة يراد بها فهم الوجود المحيط بنا ومعرفة انفسنا بالتالي، وبما ان الفلسفة هل السبيل لمعرفة الحقيقة فهي سبيلا للعمل ايضا، وبمجمل الامر يمكننا اعتبار ان الغاية من الفلسفة كما قال بعض الفلاسفة تكون في التجلي ، التخلي ، التحلي . ويكون التجلي في معرفة الحقائق ، و التخلي في البعد عن الرذائل ، والتحلي هو التزود بالفضائل .
عند مراجعتنا للتاريخ نجده حافلا بالمواقف التي تؤكد لنا اهمية الفلسفة في حياتنا ولماذا علينا احياءها في هذا الوقت. فلا عجب ان يصر فرانسيس بيكون كل الاصرار على ضرورة اختيار الحكام من الفلاسفة حتى يسعد الجنس البشري وتزدهر البلاد وتكثر الخيرات. ويحدثنا بلوتراك في كتابه ( السير والتراجم ) : ان الاسكندر كان يقول : ان ابي قد وهبني الحياة ولكن ارسطو علمني فن هذه الحياة ) . وفي هذا القول اشارة الى المثل الاغريقي : ( الحياة هبة الطبيعة لكن ان تحيا جميلا هي هبة الحكمة. وقد ذكر المؤرخون ان فيليب المقدوني كان يحث ولده الاسكندر على قراءة الفلسفة معللا بقوله : ( حتى لا يفعل اشياء كثيرة من الاشياء التي فعلتها انا وانني اسف عليها.
ان المسؤولية الملقاة على الفلسفة كبيرة في يومنا هذا ، فهي تتعامل مع موضوعات ومشكلات ليس لها معادلة علمية مثل الفضيلة والجمال والاخلاق والحرية والوجود .وفي طريقنا لدراسة الفلسفة أدركنا انها محاولة انسانية سامية تستخدم المنهج العقلي لاعادة صياغة وبناء ما سيتم تفكيكه وهدمه من آراء شائعة وافكار سائدة واعتقادات مالوفة ليس لها سند سوى الالفة والعادة والتكرار اللاواعي والمحافظة المجتمعية التقليدية ، للوصول بعد صياغتها وتجديدها الى معرفة لا تتسم بالعصمة واليقين والاطلاق.
اكرر بأننا اليوم احوج مايكون للفلسفة في ظل عالم المتناقضات الذي نعيشه سواء كان بين الفرد ونفسه او مع وأسرته و المجتمع ككل وهذا متعلق بسلوكنا وفكرنا البشري . فعند مراجعتنا للشخصيات في مسرحيات شكسبير نجدها تجسد الصراعات النفسية المتضاربة في داخل كل فرد في المجتمع ، والتي هي مزيجا من المشاعر المتناقضة وفوضى من الأفكار والمواقف بين الخير والشر. من جانب اخر، جميعنا يلاحظ التناقض في السياسات أو القرارات التي تتخذها المؤسسات المختلفة في الدولة والتي كانت حصيلتها امور متضاربة ومخالفة لبعضها البعض. لذا لابد منا اعادة تسمية العصر الذي نعيشه من عصر المعلومات،وعصر العولمة كما يدعي البعض، الى عصر التناقضات التي يراد لها أن تكون مقبولة من الناس، بلا مراجعة ولا حتى تفكير. وهنا، يأتي دور الفلسفة القائم على التوحيد بين المتناقضات، وكما يقول ديكارت : ان الفلسفة هي العلم العام لجميع العلوم . وذهب جون دوي الى ان الفلسفة سعي من الفيلسوف في معرفة ما هو متناقض في عالم الكون ومتضاد من الفرد والاجتماع والمادة والعقل والجسم والروح وحقيقة الانسان والمادة والتصورات العقلية والعلم اليقيني بالشيء والعمل ، وسعي الفيلسوف في معرفة هذه الامور لأجل توحيدها في نظرة بحسب التجربة والتحليل .ويقول لوكاتش : ان الفلسفة لا تفهم إلا في عصور الشقاء المليئة بالمتناقضات بحيث يكون هدفها فهم هذه المتناقضات . ويستشهد على رأيه هذا بعبارة هيكل الذي قال فيها : عندما تختفي من حياة الناس قوة التوحيد ، وعندما تفقد المتناقضات ما بينها من علاقات متبادلة ، عندئذ فقط تنشأ الحاجة الى الفلسفة .
في ظل الدعوة لاحياء الفلسفة ، اطلق طلبة قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية مبادرة إيجابية جيدة تبناها رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور نذير عبيدات ، وعميد كلية الآداب الأستاذ الدكتور اسماعيل الزيود ورئيس قسم الفلسفة الأستاذ الدكتور ضرار بني ياسين ،وشارك في فعالياتها التي تمتد ثلاثة أيام العديد من الأساتذة واعضاء هيئة التدريس في القسم . وفي طليعتهم الأساتذة الكبار نذكر منهم أحمد ماضي و سلمان البدور وتوفيق شومر .والتي كان هدفها التأكيد على اهمية الفكر الفلسفي ودوره في حياتنا ، ومناقشة اثار غيابها على التعليم بشكل عام .فاحياءها له اثر ايجابي في خلق طقوس الحوار بين المعلم والطلاب في الدرس الفلسفي حول قضايا مهمة تحفز عقليتهم على التفكير والوعي اللامحدود والتسامح والاعتراف المتبادل بين المختلفين في الرأي. فروح الفلسفة هي روح الحب، أليست هي في أصلها وفصلها حب الحكمة كما قلنا.
منذ الأزل والعلم والفلسفة يفسر كل منهما الآخر ويمهد له، فقوانين نيوتن في الفيزياء لها أصل فلسفي وكذلك الاختيار الطبيعي عند دارويين. ومع هذا يقول الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ في إحدى نقاشاتة:” لقد ماتت ولكننا اليوم نعمل جاهدين على احياءها وتوظيفها وهذا ليس بشيء مستحيل لاننا لا نستبعد أي شيء طالما العقل البشري لا يزال يسأل ويفكر..

مقالات ذات صلة