لماذا تتعثر المشاريع في الأردن ؟ بقلم ليث أبو جليل

إن هالك ما حدث مع أيهم صاحب مشروع التوصيل بالبسكليت الذي يريديون منه رسوم سنوية ١٢٠٠ دينار ، أو مع سندس اللي الحكومة بدها تدفعها ضريبة ٢٦٪ على قيمة إعلانات الفيسبوك ، فأحب أن أقول لك : تحتاج إلى تناول عقار م.خ.د.ر من العيار الثقيل قبل سماع ما يحدث مع مشاريع التجارة و الأعمال في هذا البلد.

وسواء أكنت مشروعاً رياديا ناشئاً ، أو مؤسسة فردية كبّرها الوالد بعرق السنين ، أو شركة مساهمة توظف عشرات أو مئات الأردنيين ، فالحال من بعضه يا صديقي : أنت في بلد السيستم فيه يحارب الأعمال ، و بيئته قاتلة للتجارة ، و قوانينه مصممة بطريقة تجعلك تفكر بالانتقال للخارج بمجرد أن يصبح مشروعك جادا. أو… أو … أن تلعب لعبة (الضباع) و تصير مع الزمن جزءا من هذا السيستم اللعين.

خلال العامين الماضيين أغلقت سلسلتين تعملان في مجال الصيدليات ، إغلاقا نهائيا ، آخرهما قبل أشهر مع ( فارمسي ون ). كل واحدة منهما كانت تمتلك ما يزيد عن ١٠٠ فرع موزعة على كل أنحاء البلد وتوظف على الأقل ما يقارب الف موظف معظمهم الآن عاطلون عن العمل بلا أي دخل. أغلقت كل واحدة منهما دون أن يرف لمسؤولي هذا البلد رمش واحد. في التفاصيل أخطاء إدارية و خطايا مالية ، لكن في الكواليس منظومة (سرسرة و تنمر ) ساعدت على وصول كل منهما إلى الهاوية ، بعد أن كانت كل منهما تمثل نقلة نوعية في مجال قطاع الصيدلة.

يمكنني أن أعدد ٣ مجالات تساهم في تعثر مشاريع التجارة و الأعمال في الأردن ، وقد أرفقت لكم جدولا على حجم التداول في بورصة عمان قيمةً و عدد أسهم كمؤشر على التراجع المهول في اقتصادنا خلال السنوات الماضية. المجالات هي كما يلي :
– العبئ الضريبي واستنزاف الشركات
– فوضى المنافسة و الترخيص العشوائي
– سيطرة اقتصاد المال على مداخيل الأردنيين
و إليكم بعض المعلومات و التفاصيل
#العبئ_الضريبي
تنهش الضرائب و الرسوم الخيالية جسد الشركات و أصحاب الأعمال منذ اليوم الأول. تستفتحها مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تتقاضى اشتراكات ( ضريبة الضمان ) من صاحب العمل ومن الموظف ما نسبته 21.75٪ من راتب الموظف. أي أن الشركة التي تدفع رواتب سنوية 100 الف دينار ، ستدفع هي و الموظفين ما يقارب 21750 دينار لدولة لا تقدم لهم الحد الأدنى من الخدمات ، فلا تأمين صحي و لا تعليم مجاني ، ولا مواصلات محترمة. بعد ذلك يبدأ النهش من خلال ضريبة المبيعات ( التي تتحملها داخليا معظم الأعمال في الأردن ) ثم ضريبة الدخل التي تنهش من الشركة ٢٠٪ من دخلها في دولة لا تقدم في المقابل الحد الأدنى لتطوير بيئة مناسبة للأعمال و مشجعة للتجارة. أما إن كنت ممن يقوم مشروعه على الاستيراد من الخارج ، فستحل عليك لعنة الجمارك و التي تنهش من ٢٠٪ إلى ٥٠٪ رسوم جمركية على المستوردات. هذا بخلاف رسوم المهن السنوية المبالغ فيها جدا مقارنة بما تقدمه البلديات و الأمانة ، و الرسوم الجبائية مثل رسوم إصدار ورقة لمن يهمه الأمر : مطبوعة عليها شوية حبر يقول إنك المفوض عن الشركة في شأن المفروض أنه حق لك .

#فوضى_المنافسة
المنافسة مفهوم أساسي في تطوير الأعمال و تحسين المنتجات و الإرتقاء بالخدمات. لكن الذي يحدث في الأردن لا يمت بصلة إلا المنافسة ، بل هو باختصار عبارة عن ( مطحنة ) لتدوير المشاريع و استنزافها حتى تصل إلى مرحلة الإغلاق. أنت تفتح في منطقة لتفاجأ خلال عام أو عامين بأن هناك ٢٠ محل منافس فتح بجانبك يبيع نفس تبيع في منطقة لا تتحمل أبدا وجود أكثر من ٣ أو ٤ منافسين لأنها ستصبح استنزاف للموارد من غير جدوى اقتصادية.
في البلد وفي الوحدات و في معظم مدن المحافظات يدفع التجار أجور عالية جدا لمحلاتهم ، لتأتي مافيات البسطات و تحول أعمالهم إلى جحيم ، و أمام محلك و على عينك يا تاجر.
طرود بريدية تأتي من الخارج برسوم ١٠٪ في حين يدفع التاجر المحلي ، بما في ذلك شركات التجارة الالكترونية المحلية ما يقارب من ٤٢٪ رسوم و ضرائب و جمارك لاستيراد ذات المواد التي تدخل البلد عبر الطرود البريدية ، فكيف سيكون هناك مجال للتنافس.
فجأة عشرات محطات البنزين الجديدة بدأت تفتح ، و في الشارع الواحد اثنتين و ثلاث و أربع محطات ، فكيف تستطيع شركات تسويق المحروقات المنافسة و تقديم خدمات محترمة في الوقت الذي مبيعات وقود السيارات يتوزع على عدد غير منطقي من المحطات.
وعلى هذا فقس .

#سيطرة_اقتصاد_المال
الاقتصاد الوحيد في الأردن هو اقتصاد المرابين في البنوك و شركات التمويل. فهو القطاع الوحيد الذي ينمو و يحقق أرباح في الأوقات الصعبة التي يخسر فيها الجميع. قطاع يستنزف باقي القطاعات عبر (شفط ) مداخيل الأردنيين من خلال التمويل الفردي السهل بفوائد قليلة ، مقابل التشدد في تمويل المشاريع و الأعمال و بفوائد مرتفعة و غير منطقية.
الحقيقة أنه لا يوجد اقتصاد في الأردن ، كل ما هنالك هو ( إدارة للسوق ) فقط. و هي إدارة فاشلة بامتياز ، فلا تعرف ما الذي يريده الأردن الرسمي من الاقتصاد : فساعة (مشاريع ريادية) ، و ساعة ( بدأ عهد الانتاج الزراعي ) ، و ساعة تطوير السياحة ، ثم ساعة (الاهتمام بمشاريع التكنولوجيا) ، ثم ساعة ( جذب المستثمرين ) … وحقيقة و لا واحد مما ذكرت يقف على قدميه وكلها اقتصادات جزئية متعثرة و مليئة بالخوازيق الجكومية و غير الحكومية.
البيئة الاقتصادية في الأردن بيئة فلتانة ، سارحة و الرب راعيها ، و بالكاد مداخيل الناس تصنع اقتصادا يتحرك و يدور و ليس أدل على كلامي إلا الانتعاش الذي يحدث في أيام الرواتب ليعقبه موت سريري .

يقول لي صديقي الذي يعمل في مجال التداول في بورصة عمان إن حجم تداولات السنوات الخمس الماضية على الأسهم تراوح بين ١ إلى ٢ مليار سنويا في الوقت الذي كان التداول في بورصة عمان يتراوح بين ٧ – ١٦ مليار سنويا في الأعوام بين ٢٠٠٥ و ٢٠١٠ …. هذا أحد المؤشرات على ما يحدث في الأردن.

وخلاصة القول : الثقة تتراجع في اقتصاد الأردن ..مستثمرين و مستهلكين

مقالات ذات صلة