واشنطن – الرياض.. “المصالح” تتقدم على “الصداقة”!

سليمان النمر... كاتب متخصص بالشؤون الخليجية

لا شك ان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان يشعر بالضيق الشديد لقيام وزير الدفاع الاميركي لويد اوستن بإلغاء زيارته للسعودية والتي كانت مقررة هذا الاسبوع ضمن جولته الخليجية. كانت العاصمة السعودية تنتظر قدوم وزير الدفاع الاميركي هذا الأسبوع، في زيارة رسمية تسبقها محطات في كل من قطر والبحرين والكويت، لكن فجأة أُعلن عن تأجيل زيارة الوزير لويد أوستن إلى الرياض “إلى اجل غير مسمى بسبب مشاكل تتعلق بالجدول الزمني”! هذا الإلغاء يعكس حقيقة فتور علاقات “الصداقة” بين واشنطن والرياض ولكن ليس علاقات المصالح التي تجعل الولايات المتحدة تؤكد دائماً انها ملتزمة بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها. وفي العهود الرئاسية الاميركية السابقة – لا سيما عهد دونالد ترامب – كانت السعودية في أغلب الأحيان هي الدولة الخليجية والعربية الاولى التي يزورها اي مسؤول اميركي، أياً كان منصبه، وذلك لما للسعودية من “اهمية استراتيجية” عند الولايات المتحدة. والملاحظ في هذا الصدد ان وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن اكتفى الاسبوع الماضي بزيارة دولة قطر مُتجنباً المرور بالسعودية. صحيح ان السبب هو الوضع في افغانستان حيث لعبت الدوحة دوراً كبيراً بمساعدة الولايات المتحدة على الانسحاب من افغانستان واجلاء الاميركيين وحلفائهم من كابول، لكن اللافت للإنتباه ان الرياض لم تلعب اي دور في الموضوع الافغاني، حتى انها رفضت طلبات اميركية باستقبال بضعة آلاف من اللاجئين الافغان مؤقتاً (كما فعلت دول خليجية أخرى) وإلى حين تهجيرهم إلى دول أخرى. ويعكس القرار السعودي عدم ثقتهم بالأميركيين من جهة وخشيتهم من أن يتحول المؤقت إلى دائم من جهة ثانية. إدارة بايدن لا تريد علاقات “صداقة ” مع المملكة وقيادتها بقدر ما تريد علاقات مصالح عسكرية ودفاعية تستفيد منها الولايات المتحدة اقتصادياً، اما المصالح السياسية فهناك الكثير من الدول تحققها لواشنطن واولها قطر ولاحظ مراقبون خليجيون أن زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى الدوحة فقط تعكس الدور الاقليمي المتزايد لقطر من جهة وإحتلال هذه الإمارة الصغيرة دوراً بارزاً في سياسة الولايات المتحدة في منطقة الخليج من جهة ثانية. وهذان الأمران يحصلان على حساب الدور السعودي المعهود في قضايا المنطقة، حتى ان المراقبين إياهم لاحظوا انه خلال الحرب الاسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة سُجل غياب كلي لأي دور سعودي مقابل تقدم أدوار دول عربية أخرى أبرزها مصر. والملاحظ أيضاً ان الزيارات الاميركية للسعودية تقتصر على الزيارات العسكرية لكبار قادة الجيش الاميركي، في حين لم يقم اي مسؤول سعودي رفيع المستوى بزيارة واشنطن بعد تولي جو بايدن الرئاسة قبل نحو تسعة اشهر، ما عدا الامير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع وشقيق ولي العهد (والمتوقع ان يصبح ولياً للعهد اذا ما إعتلى الامير محمد بن سلمان عرش المملكة). يذكر أن خالد بن سلمان زار العاصمة الاميركية في الاسبوع الاول من شهر تموز/يوليو الماضي، وإلتقى بوزير الخارجية الاميركي ومستشار الامن القومي جيك سوليفان وكبار المسؤولين بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وناقش مع الأميركيين (سوليفان تحديداً) “الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية، والأمن الإقليمي، والتزام أمريكا بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها في وقت تواجه فيه هجمات من جماعات متحالفة مع إيران”، حسب بيان البيت الأبيض الذي ألمح إلى “أهمية التقدم في النهوض بحقوق الإنسان في المملكة”، في جملة تحمل في طياتها دلالات عديدة.

ويرصد المراقبون الخليجيون أنه على عتبة إنتهاء السنة الأولى من ولاية جو بايدن، لم يجرِ حتى الآن أي إتصال بين الرئيس الاميركي وولي العهد السعودي، وذلك يعني أن بايدن يعمل من أجل ضبط مسار العلاقات الاميركية مع المملكة (الحليف الوثيق لواشنطن) والتي لطالما كانت تتمتع بعلاقات خاصة وقوية مع سلفه الرئيس دونالد ترامب.

وما يطرح علامات إستفهام هو تجنب المسؤولين الاميركيين الرفيعي المستوى التواصل مع كبار المسؤولين في المملكة، في الوقت الذي يقوم فيه الجيش الأميركي بسحب بعض دفاعاته الصاروخية من المملكة ودول خليجية أخرى منذ حوالي الأربعة أشهر، بعدما كان قد نصب منظومات دفاع جوية إضافية في المملكة في خريف العام 2019 بعد أن استهدفت طائرات من دون طيار وصواريخ إيرانية منشآت نفط سعودية أبرزها حقل بقيق.

ويبدو من خلال هذه المؤشرات ان إدارة بايدن لا تريد علاقات “صداقة ” مع المملكة وقيادتها بقدر ما تريد علاقات مصالح عسكرية ودفاعية تستفيد منها الولايات المتحدة اقتصادياً، اما المصالح السياسية فهناك الكثير من الدول تحققها لواشنطن واولها قطر.. من دون أن ينتفي دور السعودية، لكنه لا يكون متقدماً، كما إعتاد أهل الرياض، خاصة مع إدارة ترامب.

– موقع 180ْْ

مقالات ذات صلة