الذكرى السنوية لتفجيرات عمان

د. محمد المومني

حرير- من المهم أن نستذكر ونستحضر في هذه الأيام الذكرى السنوية لتفجيرات عمان الإرهابية التي صادفت قبل يومين، راح ضحيتها أردنيون أبرياء شرفاء. سبب الاستحضار لكي نتذكر أن هذا الشر اللعين والخبيث المنتشر في منطقتنا من تطرف وإرهاب له أسبابه وبيئته الحاضنة التي تولده وفيها يترعرع. هاجمتنا القاعدة وبعدها داعش، وفي الحالتين انتصرنا وانتصر العالم، ولكن الشر ما يزال موجودا قد يطل برأسه في أي وقت لكي يضرب من جديد ويقتل الأبرياء وينهش استقرار الدول.

أسباب الإرهاب كثيرة وقد كتب عنها عشرات الأطروحات والتنظيرات، وما نزال نحاول معرفة الأسباب الأكثر أهمية لهذه الظاهرة، والتي يبدو أن الظلم وفقدان الأمل وقدرات التعبير عن الذات من أهمها. الفقر والعوز وأسباب بنيوية أخرى مهمة في تفسير الإرهاب وانتشاره، لكن الظلم واضمحلال آليات التعبير عن الذات من الأسباب الأكثر أهمية بكثير لانتشار الإرهاب. هذا نقاش مستمر محتدم بيننا في الشرق الأوسط والعالم وإسرائيل؛ حيث تصر الأخيرة على أن سبب الإرهاب ليس كما نعتقده نحن، وأن القضية الفلسطينية وانتفاء العدالة للفلسطينيين ليست سببا للإرهاب وليست أولوية لدى الارهابيين من القاعدة أو داعش، فقد استحضر هؤلاء الإرهابيون القضية الفلسطينية لاحقا بعد العديد من الأسباب الأخرى التي استخدموها ليبرروا إرهابهم. هذا كلام يعوزه الدقة العلمية، لأن القضية الفلسطينية سبب أساسي لحالة الإحباط والظلم والإذلال التي يشعرها المواطن العربي والفلسطيني، وبالتالي هي تشكل البيئة الحاضنة التي تنتج التشدد الذي بدوره ينتج الإرهاب.

ما يحدث في غزة الآن، على سبيل المثال لا الحصر، وما يحدث باستمرار بالحرم القدسي الشريف، وسيل الفيديوهات التي تظهر معاناة الفلسطينيين في غزة، لا يمكن الا أن تولد غضبا وتشددا، الذي لاحقا سيتحول لأشياء أخرى. تماما كما كان ما تعرض له السوريون والعراقيون سببا لغضب وإحباط وتشدد. لا أحد يمكن له أخلاقيا أن يبرر الإرهاب، فهو مدان بكل ما نملك من قيم وإنسانية، ولكن الحكمة تقتضي أن نزيل من أيدي الإرهابيين ما يستعملون لكي يجندوا الإرهابيين ويرعون الإرهاب.

إن استمرار القضية الفلسطينية دون حل هو سبب أصيل لانعدام الاستقرار الإقليمي، وسبب أساسي للإحباط والغضب الذي يقبع في صدور من يشاهدون ما يتعرض له الفلسطينيون، وهذا سوف يجد طريقه لفعل ما في يوم ما. لذلك فمن المهم والحكمة أن نتدبر وندرك أن المخارج والحلول السياسية هي التي تشكل الطرق الأعمق والأفضل لمحاربة الإرهاب والتطرف والتشدد. الاستكانة للقوة العسكرية والأمنية ليست كافية، والأصل أن الجبهة السياسية والاشتباك الفكري والإيديولوجي على أسس العدالة والكرامة الإنسانية هي الحل العميق بعيد المدى لكي نتخلص من آفة التشدد والإرهاب.

رحم الله شهداء تفجيرات عمان الإرهابية، وعهدا علينا ألا ننساهم وألا نسمح لهجمات جديدة بأن تمس دارنا ما استطعنا لذلك سبيلا.

مقالات ذات صلة