العرب لن يصبحوا نوويين!… علاء الدين أبو زينة

في الخضم المتلاطم من الأحداث العالمية المجنونة، قدم رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، عرضاً تلفزيونياً بداية الشهر الماضي، بهدف تأكيد سعي إيران إلى امتلاك سلاح نووي والمطالبة بمعاقبتها. وكان عرضه طباقاً للعبارة الاستنكارية العامية “شوف مين بحكي!”، فمن المعروف أن كيانه يمتلك ترسانة نووية كبيرة لا يعترف بوجودها، ويهدد بها أمن المنطقة. وبسبب النفاق الذي يميز شخصية المتحكمين في القرار الدولي، لا يتعرض كيانه العدواني الاحتلالي وغير المشروع لعمليات تفتيش ولا لعقوبات دولية. بل إنه لا يخجل من توجيه رسالة إلى العالم يشكو فيها من امتلاك دولة أخرى في الإقليم سلاحاً نووياً، وهو يعرف أن قلة هم الذين ربما سيذكرونه بصلافته.

وفي نفس السياق، يهدد بعض العرب الآن بالسعي الجدي إلى امتلاك سلاح نووي في حال حصلت إيران عليه. لكن نفس هؤلاء لم يهددوا بامتلاك هذا السلاح مع معرفتهم بوجوده لدى النقيض التاريخي للعرب والمسلمين في فلسطين المحتلة واستخدامه لإرعابهم. وهذا تجسيد آخر لاختلال المقاييس واعتناق النفاق. وفي الحقيقة، لن يُسمح لأي دولة عربية بامتلاك قدرات نووية بدرجة الأسلحة مهما صرخت وهددت، ولن يكون أي نظام عربي يسلك هذا الطريق في مأمن من الإسقاط الفوري، أو الضرب العسكري السريع لمشروعه قبل أن يبدأ، كما شاهدنا في حالة العراق وسورية. ولن يخرج مصير هذا التوجه عن قاعدة الهوان وتسليم القرار طوعاً.

وهناك تصعيد التهديدات الأميركية بضرب كوريا الشمالية أيضاً، بسبب تطويرها برنامجاً للأسلحة النووية. ومن المفارقات أنهم يهددونها باحتمال ضربها بأسلحة نووية بالتحديد. وبطبيعة الحال، يتذرع النظام العالمي الذي تتحكم به الولايات المتحدة باستبداد النظام الكوري الشمالي وانغلاقه، والانتصار لحرية الكوريين. وفي هذا أيضاً تكرار لصلافة نتنياهو، زعيم الدولة التي قامت على العدوان والاستبداد، الذي يتهم الآخرين بالعدوان وينسى نفسه. فالولايات المتحدة نفسها قامت على أنقاض شعب وتطهيره عرقياً، وما تزال العدو الأساسي لكل الشعوب الساعية إلى الحرية، وحارسة الكثير من الأنظمة المتطرفة في الاستبداد والعدوانية، والاختصاصي الأول في التدخل في شؤون الآخرين.

عن نفاق الولايات المتحدة والأمم المتحدة، كتب جيفري ساش مؤخراً: “تطالب الولايات المتحدة كوريا الشمالية بالوفاء بالتزاماتها بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ونزع سلاحها النووي، ويوافقها مجلس الأمن. ومع ذلك فإن الوقاحة التي تطالب بها الولايات المتحدة -ليس بنزع السلاح النووي فقط، وإنما بفرض هيمنتها النووية، مذهلة… باختصار، تطالب الولايات المتحدة الدول الأخرى فقط بنزع أسلحتها النووية. أما نزع أسلحتها النووية الخاصة، فـ”أمر بالغ الصعوبة” ويمثل “انتهاكاً لحقيقة ثابتة” هي أن الأسلحة النووية تخدم الاحتياجات العسكرية الأميركية”. أليس للآخرين احتياجات عسكرية لحماية أنفسهم وكرامتهم الوطنية؟

كان اختراع الأسلحة النووية من أكثر الخطايا البشرية شراً بلا أدنى شك. فبالإضافة إلى الضحايا الذين سقطوا بسبب الاستخدام المباشر لهذه الأسلحة، أو نتيجة للحوادث المرتبطة بالنشاطات النووية، أصبح امتلاك هذه القدرة سيفاً يسلطه الأقوياء على رقاب الضعفاء ويستعبدونهم به. وإذا كان من المستحيل نزع وإتلاف الترسانات الموجودة الآن عند الكثير من الدول، أو تطوعها بالتخلص من ترسانتها، أن يكون الوضع المثالي هو امتلاك كل الأمم أسلحتها النووية الخاصة، ما دام الآخرون يمنحون أنفسهم الحق في احتكار امتلاكه؟ سوف يجعل ذلك العالم أكثر سلاماً وأقل استقواء على أساس الردع المتبادل.

باستثناء الدول القوية التي تقاسمت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وامتلكت أسلحة نووية بلا مساءلة، حصل الآخرون على أسلحتهم بطرقهم الخاص، بما يفرضه الوضع من السرية والمكر. وبعد ذلك، أصبحت القوى العظمى تفكر كثيراً قبل محاولة الاعتداء على الدول النووية الجديدة. وحتى بمجرد السعي الجاد إلى امتلاك سلاح، استطاعت إيران أن تفاوض وتحصل على تنازلات مقابل تجميد مساعيها. كما أن كوريا الشمالية ربما تقايض برنامجها بانتزاع تنازلات من الأقوياء أيضاً.

إلا العرب! من الواضح أن الدول العربية لم تعرف كيف تلعب بالبطاقة النووية أيضاً، مثل كل شيء آخر، على الرغم من امتلاك بعضها الأموال التي تمكنها من شراء هذه القدرة. ولذلك، ظل ظهر العرب مكشوفاً أمام كل راغب في الركوب المجاني. وسوف تكون شعوبهم الضحية المثالية لمنطق الازدواجية ومنطق “القوة هي الحق”.

مقالات ذات صلة