خسارة دونالد ترمب هي انتصار للعقلانية وللاخلاق الديموقراطية الاميركية

مجدي الحلبي - إيلاف



في انتخابات هي الاضخم منذ اكثر من قرن ادلى نحو سبعين بالمائة من اصحاب حق الاقتراع الاميركيين باصواتهم لاختيار سيد البيت الابيض للسنوات الاربع القادمة. نتيجة هذه الانتخابات مهمة لانها اعادت الولايات المتحدة الى المسار الطبيعي لهذا البلد الذي يقود العالم وبطريقة ديموقراطية وبمشيئة الشعب وليس بقرار حزب لابقاء الرئيس مدى الحياة او انتخابات محسومة سلفا ليبقى الرئيس على كرسيه لدورات متتالية لا نهاية لها الا بنهايته.

نتائج الانتخابات الاميركية هذه اعادت الولايات المتحدة الى رشدها او لنقل الى سابق عهدها، ليس بانتخاب جو بايدن انما بطرد دونالد ترمب من البيت الابيض، فالولايات المتحدة لم تستطع ان تهضم رئيسا مثل ترمب ليحكمها اكثر من مرة، فقد كانت هذه التجربة صعبة للاميركيين الذين رأوا كيف تدهورت بلادهم الى اسفل درك التجارة بالحلفاء والاصدقاء، إذ اصبح رئيس اكبر واقوى واهم دولة بالعالم مهزلة عبر تطبيق تويتر يقارع هذا ويجادل ذاك، والانكى من ذلك استهتاره بجائحة كورونا واعتبارها انفلونزا بسيطة ومن ثم ابتليت البلاد والعباد بها دون ان يحصل البسطاء على علاج او رعاية صحية مناسبة ولتصبح نسبة الوفيات الاعلى عالميا.

الولايات المتحدة تعود الى رشدها وتتدارك هيبتها قبل فوات الاوان وقبل منح ذلك التاجر اربع سنوات اخرى ليتلاعب بمصير مئات الملايين من الاميركيين في بورصة كيم جونغ ايل وتفاهمات مشبوهة مع ساكن الكرملين الدائم، ومحاولات عصر المليارات تحت التهديد من الحلفاء في الخليج العربي.
الولايات المتحدة هي اقوى دولة في العالم ليس عسكريا فحسب بل والاهم، ثقافيا، فنيا، علميا، اكاديميا، اقتصاديا، تعدديا واجتماعيا ولا يعقل ان تظل رهينة بيد مراهق سياسي شعبوي متطرف.
سياسة الولايات المتحدة على مر الزمن وعبر اداراتها المتعاقبة من ديموقراطيين وجمهوريين هي ذاتها تجاه الحلفاء في كل مكان وفي الخليج العربي تحديدا، مع تباين بسيط هنا ونقاش اخر هناك، الا ان الولايات المتحدة تظل ترى بالسعودية ودول الخليج حلفاء، لهم ثقل كبير.
مصالح الولايات المتحدة تتقاطع معهم بما يتعلق بالنفط واسعاره عالميا ناهيك عن علاقات طيبة مع هذه الدول وبدون علاقة لشخصية الرئيس.

للتذكير فقط، فان باراك اوباما الديموقراطي دعم حرب التحالف في اليمن وزود السعودية باسلحة وتقنيات متطورة مثلما فعل سلفه جورج بوش الابن الجمهوري، وتعهد اوباما كما اسلافه بالدفاع عن الخليج العربي في وجه الغطرسة الايرانية والاطماع الاخرى في المنطقة وللتذكير أيضا فان الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن هو الذي تبنى وطرح حل الدولتين وحينها كان لإسرائيل ثلاثة عشر تحفظا على خطة بوش في حين قبلها الفلسطينيون بدون شروط.
ترمب لم يكن سيئا للمنطقة فحسب بل كان رئيسا سيئا بكل المقاييس فهو شجع الشعبوية ولم يكافح، بل ساهم، في التمييز العنصري بين البيض والسود واحدث بتصرفاته الصبيانية والفردية، شرخ في المجتمع الاميركي المتعدد الاعراق والالوان والاديان والانتماءات الاثنية المختلفة واعتمد على العنصريين ومنع المهاجرين من دخول الولايات المتحدة وطرد الاطفال منهم والشيوخ والنساء وشردهم في العراء، وحاول منع المسلمين والعرب ايضا من دول معينة دخول الولايات المتحدة، وسن قوانين تقيد من حرية الفرد والتنقل في الولايات المتحدة.

ومن جهة اخرى اصر على منح اسرائيل اراض ليست لها، واعلن عن الجولان المحتل ارضا اسرائيلية وكانه يمتلك العالم وبلغت به الوقاحة ان ارغم السودان على الاعلان عن التطبيع مع اسرائيل غصبا، والتهديد بابقاء هذا البلد ضمن قائمة الارهاب، مع ان الشعب السوداني الطيب كان ثار واسقط الطاغية عمر البشير والذي اصبح يمثل الان امام محكمة الشعب.
الولايات المتحدة تعود الى رشدها باقصاء من عين ابنته وصهره مستشارين في البيت الابيض ليقودا صفقة وقحة لمنح حليفهم نتانياهو هدايا انتخابية على حساب الشعب الفلسطيني فيما وصف بصفقة القرن  ” التي بدأت تتحطم في عهد ترمب نفسه بجهود الامارات العربية المتحدة والبحرين اللذين اشترطا الاتفاقية مع اسرائيل بوقف تنفيذ هذه الصفقة المعيبة” (؟! حرير)  مع العلم ان شريحة كبيرة من الجمهوريين الاميركيين لم يكونوا راضين بل وعارضوا خطوات ترمب وابنته وصهره حتى ان معاونيه المقربين تركوه واحدا تلو الاخر.
الشعب الاميركي استعاد نفسه واستعاد هيبته والتزامه بالحلول العادلة، الولايات المتحدة لم تنتخب جو بايدن بقدر طردها لدونالد ترمب التاجر الذي جر اكبر واقوى دولة بالعالم الى مزايدات لا تليق بها، الشعب الاميركي استعاد ذاته وبلاده مع خلع ترمب ومعاونيه من البيت الابيض وهذا هو انتصار للاخلاق والديموقراطية والرصانة.
خسارة المقامر دونالد ترمب هي مكسب للولايات المتحدة وللعالم الحر وللقيم الاخلاقية والديموقراطية في كل مكان، والامل ان تكون الادارة الجديدة على قدر المسؤولية من اجل اعادة التوازنات الى مكانها الصحيح والتعامل مع الشعوب والدول بطرق عقلانية واخلاقية للوصول الى عالم افضل، مع العلم ان التحديات كثيرة والاشرار من الزعماء سيبقون فوق عروشهم فلا انتخابات لديهم ولا صناديق اقتراع وسيظلون فوق صدور شعوبهم جاثمين

مقالات ذات صلة