خمس سنوات على الاتفاقيات الإبراهيمية – مراجعة صادمة

عبد الحميد صيام

حرير- في الخامس عشر من سبتمبر 2020 تم توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل، وكل من مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة، في حديقة البيت الأبيض تحت رعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. تلا ذلك إعلان السودان يوم 23 أكتوبر التطبيع مع إسرائيل، ثم انضمت المملكة المغربية لاتفاقيات التطبيع بتاريخ 22 ديسمبر 2020.

لقد تكرر في بيانات الإعلان عن اتفاقيات التطبيع، أن الهدف الأسمى هو نشر السلام، وادعى أحد الأطراف أن هذه الاتفاقيات ستساهم في وقف ضم أراضي الضفة الغربية وتحقيق حل الدولتين. المنطق والحجج نفسها، التي ساقها أنور السادات بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 ورأينا نتائجها بسرعة. فقد أعلن الكيان ضم القدس رسميا وضم هضبة الجولان وتدمير المفاعل النووي العراقي 1981 وشن حربا على لبنان عام 1982 وصولا إلى بيروت وتوج ذلك بمذابح صبرا وشاتيلا. أما نتائج الاتفاقيات الإبراهيمية فواضحة أمام عيون شعوب العالم جميعا، وما يجري في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان واليمن وإيران وقطر وتونس خير دليل، ويكفي أن نذكّر بما قاله نتنياهو حول حلمه التوراتي بقيام إسرائيل الكبرى، لنعرف مدى الخراب الذي لحق بالأمة العربية بعد تفككها وانفراط عقدها بعد كامب ديفيد، مرورا بأوسلو ووادي عربة وصولا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.

لكن الذي أريد أن أسلط الأضواء عليه في هذا المقال هو، عمق العلاقات المتعددة بين الدول الأربع، إضافة إلى الدولتين المرتبطتين باتفاقات سلام واعتراف متبادل وهما مصر والأردن. وسأركز على التبادلات التجارية والأمنية والعسكرية خلال عام 2024 والنصف الأول من عام 2025، أي أثناء وصول حرب الإبادة إلى ذروتها وتوسع العمليات العسكرية لتشمل لبنان وسوريا واليمن وإيران. سأستند إلى تقرير رسمي صدر عن مؤسسة التراث الأمريكية (Heritage Foundation) المحافظة والقريبة من الحزب الجمهوري، تراجع فيه خمس سنوات من العلاقات بين إسرائيل والدول المطبعة الأربع: الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. وتضمّن التقرير معلومات حول العلاقات بين إسرائيل وكل من مصر والأردن. والتقرير المفصل الذي جاء في 91 صفحة تناول العلاقات، خاصة في ميدان التجارة والسياحة والتبادل العسكري والأمني والزيارات الرسمية. وجمع التقرير شهادات لمسؤولين كبار ساهموا، أو راقبوا سير العلاقات بين إسرائيل والدول الست.. وهذا ما جاء في مقدمة التقرير: “بعد مرور خمس سنوات على توقيع اتفاقيات إبراهام، يمكننا أن نؤكد أن رؤية الرئيس ترامب لتحقيق سلام إقليمي مستقر، بقيادة الولايات المتحدة قد أدت إلى تغيير تاريخي. فبعد حفل توقيع اتفاقيات إبراهام في حديقة البيت الأبيض في سبتمبر 2020، شهدنا طفرة غير مسبوقة في التجارة والسياحة والابتكار والتعاون بين الدول، بالإضافة إلى مبادرات الحوار بين الأديان ومبادرات المجتمع المدني، ما انعكس في نموذج جديد للسلام الشعبي في المنطقة. وحتى مع الاضطرابات الإقليمية التي أعقبت الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والنزاع الذي اندلع في غزة، ظلت اتفاقيات إبراهام صامدة”. وكي نراجع بعض مظاهر صمود هذا الاتفاقيات، سأقتبس بعض المعلومات والأرقام التي تشير إلى تنامي العلاقات التجارية والتعاون في المجالات الأخرى، رغم المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، ناهيك من المجازر التي ارتكبت في لبنان وسوريا واليمن وإيران. وقد بلغت العلاقات التجارية ذروتها في عام 2024 وبقيت في تصاعد خلال النصف الأول من عام 2025.

التبادلات التجارية

في عام 2020 بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى دولة الإمارات 74 مليون دولار، والواردات 114.9 مليون دولار، ارتفعت الصادرات عام 2023 إلى 626.6 مليون دولار والواردات 2.136.6 مليار دولار وفي عام 2024 انخفضت قليلا لتصل إلى 494 مليون دولار،بينما ارتفعت الصادرات لتصل إلى 2.754.4 مليار دولار. حتى البحرين ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 11.5 مليون دولار عام 2023 إلى 108.5 مليون دولار أي بزيادة عشرة أضعاف تقريبا. أما المغرب فارتفع حجم التبادل التجاري من 78.8 مليون دولار عام 2023 ليصل إلى 109.9 مليون دولار. والأكثر خطورة هو حجم التبادل التجاري مع دول الجوار مصر والأردن. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل من 441.2 مليون دولار عام 2023 إلى 597 مليون دولار عام 2024. أما الأردن فكان الارتفاع نسبيا قليلا فمن 448.1 عام 2023 وصل التبادل إلى 479.6 عام 2024. وإذا ما عرضنا مقارنة لحجم التبادل التجاري مع دول التطبيع الست، بين العامين المذكورين، لوجدنا أن حجم التبادل التجاري بين جميع دول التطبيع وإسرائيل عام 2023 وصل إلى 3.934 مليار دولار، وارتفع عام 2024 إلى 4.540 مليار دولار.

أما المبيعات الدفاعية (غير مفصلة) الإسرائيلية لدول التطبيع الأربع فقد وصلت عام 2023 إلى 13.1 مليار دولار وعادت وارتفعت عام 2024 لتصل إلى 14.78 مليار دولار، ما يعادل 12% من مجموع صادرات إسرائيل الدفاعية في العام نفسه. والتقرير يشير إلى مبيعات الغاز وحجم الزيارات السياحية من وإلى إسرائيل وغير ذلك. كما يرصد التقرير زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى تلك العواصم وتنفيذ الاتفاقيات.

ودعني أقتبس بعض المعلومات المهمة من الاتفاقيات، وتبادل الزيارت الرسمية التي ترتفع أكثر مع دولتي الإمارات والمملكة المغربية. ففي 11 أغسطس 2021، قام وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد بزيارة إلى المغرب، حيث افتتح المكتب التمثيلي لإسرائيل ووقّع اتفاقيات في مجالات الخدمات الجوية والشؤون الثقافية والرياضية والشبابية، والتشاور السياسي. وفي 24 نوفمبر 2021، وقع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس وعبد اللطيف اللويضي، الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني في المغرب، مذكرة تفاهم في الرباط، تنص على إطار للتعاون في مجالات تبادل المعلومات الاستخبارية وبيع الأسلحة والتدريب المشترك. في 10 يوليو 2024، أفادت وسائل إعلام مغربية ودولية بصفقة بقيمة مليار دولار تقريبا، مع إسرائيل لتزويد المغرب بقمري تجسس من طراز Ofek-13 من إنتاج IAI. وهذا غيض من فيض صفحات عددية حول التبادلات والاتفاقيات والزيارات المتبادلة وافتتاح خطوط طيران واستثمارات مشتركة وغير ذلك الكثير.

أما عن الإمارات، فقد شهد عام 2020 تبادلات تجارية غير رسمية، حتى قبل توقيع الاتفاق في 15 سبتمبر 2020. ففي 26 سبتمبر 2020: أصبح نادي النصر الإماراتي أول نادٍ خليجي يتعاقد مع لاعب إسرائيلي، وهو ديا صابيا. 12 أكتوبر 2020: رست أول سفينة شحن إماراتية في ميناء حيفا. وقد التقى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بالرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP 28) في دبي لمناقشة تغير المناخ والمساعدات المقدمة لغزة. وفي يوم 7 ديسمبر 2023، أعلنت شركة الخدمات اللوجستية الإسرائيلية “تروك نت” وشركة “بيورترانس” الإماراتية عن خط نقل بري يربط الإمارات بإسرائيل بعد تعطيل الحوثيين لحركة الشحن في البحر الأحمر. هذه عينة تفصح بما لا مجال للشك، أن علاقات الدول المطبعة مع إسرائيل لم تتأثر بحرب الإبادة على غزة ولم تغير حجم وشكل العلاقات. على العكس فقد زادت توسعا وثقة وتبادلا تجاريا. أما عن فلسطين فما تمنحه هذه الدول بمن فيهم رئيس صندوق القدس بيانات إدانة وشجب، والدعوة إلى تعليق عضويتها في الأمم المتحدة، ومناشدة المجتمع الدولي القيام بتصحيح تلك المسيرة.

وفي النهاية فأنظمة التطبيع لم تقف على الحياد، بل انحازت إلى جانب الكيان وظلت تشجعه على جرائمه بحجة هزيمة حماس، بل تمده بأسباب الحياة، فلا يغرنك بينات الشجب والتنديد.

مقالات ذات صلة