د. عيادات: علينا إنتاج عقد اجتماعي جديد بالعالم العربي.. ونجاح فكرة النهضة يحتاج لجهود جماعية

حرير – ظهر جلياً توسع وامتداد الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، في ظل حالة مخاض صعبة، ليس من اليسير التنبؤ بها، بل ويمكننا أن نقول أن التحولات العميقة التي حصلت في عالمنا عبر القرنين الماضيين لامست وعلى مستويات عدة الأجهزة والوسائل التقنية المختلفة، والمؤسسات، والأنظمة، والفكر، والثقافة، والسلوك، والأخلاق، حتى وصلت إلى اللغة والعادات.

لفهم واستيضاح هذه التحولات الجديدة التي تستند أساساً على الأسئلة الجديدة لمشروع النهضة، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ندوة حوارية بعنوان: “التحولات في العالم العربي ومشروع النهضة”، الثلاثاء 20 حزيران/ يونيو 2023، قدمها أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، ورئيس مجلس أمناء منظمة النهضة (أرض)، د. زيد عيادات، وأدارها الكاتب والمحلل السياسي، عمر كلاب.

وعلق كلاب في افتتاح الجلسة: “أن أول ما يلفت النظر في العنوان أنه لوحة فكرية، يفترض ابتداءً أن هناك عالماً عربياً، وأن هناك تحولات جارية قد تفضي إلى نهضة وهو افتراض جميل، ونابع من صفاء النية للقائمين على النهضة وأرض”، متسائلاً ماذا تعني النهضة؟ وما مقوماتها؟ ومن رجالها؟ وهل كان عصر النهضة فترة زمنية متجانسة من حيث الإشكالات التي طرحتها، ومن حيث الاتجاهات الفكرية التي نشأت فيها؟ ولماذا بقيت أسئلة النهضة تطرح إلى الآن؟ والأهم، ما طبيعة إشكالات النهضة التي اختلفت حولها الدعوات والأفكار والسياسات؟

من ناحيته، أكد الدكتور عيادات أنه يستحكم بالعالم العربي أزمات فكرية ومعرفية متداخلة، استوطنته وسكنته وشكلته على النحو الذي نراه به اليوم ضعيفاً، منقسماً، عنيفاً، وغير آمن، علاوة على أزمة الهوية ومظاهرها، وهي أزمة يعاني منها أيضاً الفرد والمجتمع والدولة الأمر الذي يفسر حالتي الاغتراب والاضطراب التي نعيش.

وفي فهم العالم العربي وتحولاته، ذهب عيادات إلى أن هناك حاجة ملحة لتوظيف علم التحليل الاستراتيجي لفهم أدوات التحولات الجديدة، معتبراً أن هذه التحولات تعود لسياسات داخلية، وإقليمية وجيوسياسية خصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، والإفلاس الفكري، وانتهاءً بالفجوات المعرفية.

وحذر عيادات من مشكلة الأمن الغذائي ونقص المياه في الوطن العربي، منبهاً أن صنعاء اليمن ستكون الدولة الأولى التي ستفقد مصادر المياه خلال عقد أو أقل.

كما شخص واقع الدول والمجتمعات التي تشهد إرهاصات الثورة الصناعية الرابعة وما بعد الحداثة وما بعد العلمانية، ومن شأنها أن تغير من تصورنا لذواتنا ولعالمنا الاجتماعي، ناهيك أيضاً عن إمكانية تعقيد فهمنا للتحولات بالقدر الذي تبسط فيه التواصل والحصول على المعلومة.

وحول السيناريوهات المطروحة في العالم العربي، رأى المحاضر أن الوضع يسير من “جيد، إلى سيء، انتهاءً بالأسوأ”، لافتاً إلى أن الدولة بمفهومها القطري وقدرتها على القيام بدورها تواجه الخطر الأكبر في عالمنا اليوم، مستفسراً في هذا الجانب “ما لو فشلت الدولة؟”.

أما بخصوص مشروع النهضة، فوصف عيادات مضمون النهضة الحضارية المتجددة بأنها حركة فكرية برامجية تستند إلى بنية ذهنية معرفية حديثة، تعيد الأمة لممارسة دورها الأخلاقي والحضاري، وتأكيد مركزية الفعل الإنساني الواقعي ودوره وأدواته من عقل وعلم، أما شرطها السابق على صيرورتها فهو”إعلاء قيمة الحرية” بما هو تحرير للفعل الإنساني من التبعية وللعقل من الجمود والتقليد وللمجتمع من الاستبداد.

وشدد عيادات على أن مسارات التحديث في العالم العربي، متوقفة على تطوير التعليم الذي ما يزال متوقف عند نظام “الكتاتيب”، وتجديد قراءة التراث والإصلاح الديني، والحوار والمشاركة، وتثبيت مفاهيم الحرية والديمقراطية، مشيراً إلى أن نسبة إسهامات العلم العربي في مجالات القراءة والترجمة والتأليف هي الأسوأ عالمياً.

وفي مداخلة للمؤرخ والباحث الدكتور علي محافظة، أوضح أنه “لا مستقبل لأي شعب عربي دون التعاون والتضامن والاتحاد والعمل المشترك بين الأقطار العربية”، مبيناً أن هناك أزمة فكرية في العالم العربي، ويجب على المثقفين أن يجدوا حلولاً لمشكلاتنا التي ما تزال تعمق أزمة الهوية المستعصية.

بالنتيجة، ماذا تبقى لنا بعد كل هذه التحولات؟ مبدئياً، وبحسب المتحدثين، نحن بحاجة لإجاد منظومة أخلاقية جديدة، وأن يكون هناك آليات وأولويات يجمعها مشروع عربي جامع وكبير، فالتجديد المطلوب ينطلق من الانفتاح على الآخر ورسم هوية جامعة لا مفرقة، وبناء جسور الثقة بين مكونات المشروع النهضوي المأمول عربياً.

مقالات ذات صلة