ونحن على «قلق» أيضًا..!.. حسين الرواشدة

الصور و»الفيديوهات « التي وصلتنا من مهرجان «قلق» كانت صادمة ومقلقة فعلا، لكنها لم تكن مفاجئة، فقد شهدنا خلال السنوات الماضية نماذج اخرى ربما اشد قسوة عكست ما طرأ على مجتمعنا من تحولات على صعيد القيم والاخلاق، وما اصاب شبابنا من انحرافات وامراض وتشوهات.

لقد شعرت بالحزن وانا اتابع ما جرى، سواء على صعيد ما فعله هؤلاء المحتفلون او على صعيد ردود الافعال التي سمعناها من الرافضين والمتحمسين لمعاقبتهم، ومع انه لا يخطر في بالي ابدا ان أدافع عمن تورط في هذه الاعمال « القبيحة»، فأقل ما يمكن ان يقال عنهم بأنهم اخطأوا الطريق وافعالهم تستحق الادانة والرفض، كما يستحق من تعمد القيام بتنظيمها، سواء اكانوا افرادا او مؤسسات، ان نساءلهم ونحاسبهم، لكن في المقابل من واجبي ان ادعو» للترفق» بهولاء الشباب « الضالين»، وقبل ذلك ان اسأل بمرارة : من اوصل هؤلاء وغيرهم ممن وقعوا في فخ جرائم القتل والرذيلة والمخدرات وغيرها من الآفات والكبائر وانحرفواعن الصراط المستقيم الى هذه النتيجة؟
ألم نخطىء نحن حين سكتنا فيما مضى على (المقدمات)التي اوصلتهم الى هذه النتيجة، ألم يتواطأ البعض على تمرير ما يلزم من افكار وتشريعات وملاذات آمنة لهم، ألم نقصر في فتح حوارات معهم تأخذ بيدهم الى طريق النور..؟
لنعترف اننا (نحن الذين استسهلنا شيطنتهم ) على «قلق» لاننا مسؤولون جميعا عما ارتكبه هؤلاء من جهالات وانحرافات : الجامعات التي فصلت العلم عن الاخلاق، وعلوم الدين عن علوم الدنيا تتحمل قسطاً من المسؤولية، الدعاة الذين روجوا للتدين الاستهلاكي والخلاص الفردي ولم يقدموا للشباب النموذج الصحيح مسؤولون ايضا، الاسرة التي انشغل الاباء والامهات فيها باللهاث خلف الوظائف والاعمال والموضات، المدرسة التي تراجع التعليم فيها وكذلك هيبة المعلم، الاعلام الذي استقال من وظيفته التنويرية وانجر الى نقل الافكار بلا تبصر.. هؤلاء كلهم مسؤولون عما انتهى اليه الشباب من ضياع وتيه… وقبل ذلك المناخات السياسية التي دفعت الشباب الى اليأس والاحباط، وعمقت داخلهم الشعور بالنقص وسحبتهم من مجال الحرية والابداع الى مجالات الفراغ والتبعية والتقليد، تتحمل المسؤلية ايضا.
هؤلاء الشباب الذين سبحوا ضد تيار مجتمعنا هم جزء منه وافراز لما يتغلغل داخله من تناقضات، وهم – ايضا – ضحايا لمجتمع لم ينجح في تربيتهم، ولم يفلح في استيعابهم وتحصينهم من الجرائم التي تسللت الينا من وراء الحدود، واذا كانت ادانة افعالهم مشروعة ومفهومة، فان ادانة الذين اوصلوهم الى هذا الانحراف مطلوبة ايضا، فالذين عبدوا « المال» وسرقوه لا تقل جريمتهم عن الشباب الذين «عبدوا» الشيطان وسرقوا المقدس، والذين سرقوا اخلاقنا بعد ان سرقوا اموالنا واعمارنا وانكشفت عوراتهم السياسية او خانوا اماناتهم لا يختلفون عن الذين كشفوا عوراتهم وانساقوا وراء شهوات اجسادهم، اولئك أولى بالغضب وببيانات الاستنكار وبفتاوى «الاخراج من الملة»، أما هؤلاء فقد جنحت بهم اهواؤهم الفاسدة الى التقليد الاعمى، ومنعتهم تجاربهم المتواضعة من التفكير بخطورة ما يفعلون.. وبالتالي فهم بحاجة الينا جميعا لكي ندلهم على الصواب، ونجنبهم الوقوع في الرذيلة ونحميهم من «سوء» تفكيرهم وتقديرهم.
باختصار، أخشى ان ثمة من يتعمد ادراج قضية هولاء الشباب على قائمة اولويتنا اومن استسهل « أخذهم « الى المحاكمة والمعاقبة وتشييعهم بالادانة والويل والبثور، لكي ننشغل بقضيتهم على حساب اولويات اهم، او للتغطية على جرائم الذين فعلو بنا ما هو اسوأ مما فعله هؤلاء، وعندها سنخرج ( كما حصل لنا ذات غفلة حين تركنا للبعض وضع اجندة اولويتنا على مزاجه) من» المولد «خائبين.

مقالات ذات صلة