من وحي الجمعة السوداء

حرير – شهدت شوارع عمان مساء أول أمس الجمعة ازدحاماً شديداً، السيارات تملأ الطرقات،المواقف ممتلئة تماماً،وبعض المراكز التجارية كانت تشهد اختناقات واضحة ، قلت في نفسي ربما بسبب اعتدال الطقس قليلاً خرجت الناس ترّوح عن نفسها…وعندما وصلت البيت تذكّرت أن 29-11 هو “الجمعة السوداء” المشهورة بيوم التنزيلات العالمي…فعرفت أن ثمة “تنزيلات” على الوعي أيضاًَ..
التقارير تقول أن معظم المشتريات تركّزت على “الماركات العالمية”، وهذا يعزز فكرة “الكبرة ع خازوق” التي تستهوي البعض ويقدّمها على مأكمله ومشربه وفواتيره المكسورة ، فبعضنا يهمّه أن يرتدي قميصاً أو حذاء أو بنطالاً يحمل اسماً عالمياً لكن لا يريد أن يشتريه بسعره الحقيقي وإنما يبقى “يتلبّد” حتى حلول التنزيلات فيشتريه ، فقط ليقولوا “شوفوا شو لابس ماركة كذا” وهنا تتجلّى الكبرة ليوم واحد ،ويتجلّى الخازوق باقي أيام السنة..
لقد نزع الله من قلبي هذه العقدة “لذا تخلّيت عن “الكبرة” واحتفظت بالخازوق فقط ، لا أهتم بالماركات ولا أعرفها أصلاً ، القطعة التي تعجبني أشتريها حتى لو كانت مصنوعة في “بيت درج” بدرعا، أو يصنعها زملاؤنا مساجين الصين الشعبية ، كما لا أخجل من التردد على محلات التصفية الأوروبية ، ولا يضيرني أن لبست حذاء كان برجل موظف حكومي ايطالي قبل سنوات ، أو سائق حافلة في لندن وجاء الى بلادنا ضمن “بقج” كبيرة على سوق البالة، أو “ستوك” هندي رفضته أحد دول أوروبا المدللة..أرى أن الماركة الوحيدة التي يجب أن أحافظ عليها “اسمي” لا حذاءي ،وعقلي الذي يرفض أن يكون داجناً لاهثاً عبداً لكل ما يرسم لي..أرفض رشّة العلف في “جمعة سوداء”..وأنا القادر على تنزيل كل الأسعار ،وتحسين كل الخدمات ، وعزل كل الفاشلين من المسؤولين من مناصبهم ، وتحسين معيشتي ،واسترداد كرامتي ، وحقي في السلطات لو وقفت موقفاً حراً صادقاً..
في الوقت الذي كانت تتقاطر فيه سيارات المواطنين نحو الأسواق ليغتنموا من “البلاك فرايدي”..كان المئات من الأردنيين الأحرار الواعين لحقوقهم الخائفين على وطنهم يهتفون بوسط البلد ،يطالبون بتصحيح المسار..لو تقاطر “ربع البلاك فرايدي” على وسط البلد وانضموا الى مسيرة الحراك الأردني لانخفض البنزين وأزيل بند فرق المحروقات من فاتورة الكهرباء ، واستعيدت أموالنا التي سرقها “همل” الأرض..وأخذنا ما نريد بكرامة لا بتكرّم “المول” علينا..
حسناً وفرّتم خمسة دنانير ،عشرة، خمسة عشر في “الجمعة السوداء”..لكنّكم ستدفعون أضعافها في جُمع أشد أسوداداً..

غطيني يا كرمة العلي

مقالات ذات صلة