الطاقة…. تقاطعات غير مفهومة

حرير –

ما إن تتجاوز بلدة الحسا الصحراوية وتتجه غربا باتجاه الطفيلة حتى يشد بصرك الى الفضاء وتنشغل في تأمل مئات المراوح العملاقة التي نصبت على ارتفاعات شاهقة في حقول حصاد الرياح المنتشرة على جبال الطفيلة، تاريخيا كانت هذه الجبال تحمل المخزون الرعوي من شجيرات الشيح واشواك المرار والرتم والطرفا والكداد والعجرم الذي تقتات عليها قطعان الاغنام والإبل القادمة من الجفر والحسينية ورم. مئات الاطنان من الاسمنت تلقى في الحفر التي جرى تفريغها لاستيعاب قواعد المراوح العملاقة التي تتجاوز كلفة الواحدة منها ثلاثة ملايين دولار.
في رحلتي الى الجنوب الاسبوع الماضي توقفت على جانب الطريق الواصل بين الحسا والطفيلة لتفحص اعمدة المشروع السادس لحصاد الريح في افقر محافظات الاردن واحوجها الى التنمية. في المشروع الضخم الذي نُصبت مراوحه على امتداد مساحة تعادل ملكية اكبر عشيرة من عشائر الطفيلة تجسيدا لتطور التكنولوجيا وكفاءة الاستخدام للموارد . في هذه المرة بدا لي ان المراوح نصبت بمختلف الاتجاهات لتستغل مساحات اقل من سابقاتها وتلتقط الرياح ايا كانت مساراتها. بعض المراوح كانت تدور والاخرى متوقفة وبعضها يدور بسرعة والاخرى ببطء والاسباب غير معروفة. للحظات استسلمت للمشهد وذهب فكري بعيدا للسؤال ماذا لو كانت المشاريع مملوكة للبلاد واهلها .
على مقربة مني لمحت احد رعاة الابل يطالع المشهد بدهشة فسألته عن احواله ودياره وما ان اجابني حتى بادرني بالسؤال حول اذا ما كان في هذه الاعمدة كهرباء ؟ واذا ما كان لها خطورة عليه او على الابل ؟ ومع اني لا اعرف الاجابة على سؤال الراعي المنبهر بهذه المصفوفة وخوفه من ان تؤذي الابل التي جاء بها من حواف الصحراء لتنتش ما تبقى على شجيرات الجبال قبيل حلول الشتاء، أجبته بأني لا اظن وتذكرت ان احدهم قال لي إن مراوح الرياح تحتوي على ابراج مزودة بمجسات تجعلها تتوقف عن الدوران في الاوقات التي تمر فيها الطيور المهاجرة.
الاستعدادات والاحتياطات التي اخبرني بها احد المستثمرين توحي بصداقة هذه الاستثمارات للبيئة مع انني على يقين ان المجتمعات المحلية لا تعرف الكثير عن هذه الاستثمارات ولا طبيعتها ولا اصحابها . الشركاء الاستراتيجيون وغير الاستراتيجين هم الذين يعرفون التفاصيل ويستمعون لها في العروض والمفاوضات وحلقات النقاش ومسودات العقود التي تبرم في مكاتب الشركات المحلية وغير المحلية.
اشراك المواطنين في استثمارات الطاقة الجديدة التي تجري على اراض تشكل المجال الحيوي لزراعات ومراعي السكان هدف غائب ولا يقع على قوائم من يضعون تصورات لإنشاء واستمرارية هذه المشروعات وتتحدث عن آثارها التنموية ودورها في تجسيد مفهوم النهضة وتحقيق العدالة.
في الوقت الذي يطالب الاردنيون بإلغاء اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني يصدر تقرير كلايمت سكوب ليضع الأردن في المرتبة الثالثة عالميا في توفير البيئة وجذب الاستثمارات في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة. الأردن الذي يتقدم على قائمة المنافسة ليحل بعد الهند وتشيلي في المسح الذي اجرته منظمة كلايمت سكوب المتخصصة في رصد ومتابعة الاستخدام العالمي للطاقة النظيفة يعاني من مشكلات عديدة في الطاقة وتسعيرها وشرائها واستغلالها.
في الحديث عن المديونية الأردنية واسباب ارتفاعها يضع رؤساء الوزراء السابقين والحالي الطاقة واسعارها وانقطاعها كسبب رئيسي لذلك . ايا كانت الاسباب ما يزال المواطن الأردني يتذمر من الطريقة التي يدار بها ملف الطاقة والوصفات المستخدمة في الشراء والتسعير والبيع . حتى الاستثمارات الجديدة في الطاقة المتجددة تخضع لاحكام وسياسات غير شفافة فالأسعار الممنوحة للمولدين غير متساوية والرخص الممنوحة للمستثمرين تتوقف وتمنح حسب معايير غير واضحة.
لا احد يفهم بدقة الاصرار على توقيع وتنفيذ صفقة الغاز مع شريك غير مؤتمن وغير موثوق في الوقت الذي تقول فيه وزيرة الطاقة بأنها ستصدر الكهرباء الى الجوار وان لدينا طاقة تزيد على حاجتنا . الشارع يتساءل وله كل الحق الا ينبغي محاسبة المسؤول عن سوء التخطيط اذا كان هناك من اساء فعلا أوليس من حق من يدفع فاتورة هذه الاخطاء ان يحاسب من ارتكبها؟

بقلم الدكتور صبري ربيحات

مقالات ذات صلة