حل برلمان الأردن: «اجتهاد مريب»

بسام البدارين

حرير- اجتهادات حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بدأت تخرج عن السيطرة في المشهد السياسي الأردني.

ويمكن تصنيفها بعد تكرارها وتعدادها في منسوب التحريض المباشر على خطوة حمالة أوجه يمكن الاستغناء عنها ولا مبرر للتركيز عليها ونتائجها حتما سلبية على سمعة البلاد والعباد والأهم على سمعة التحديث السياسي.

بدأت دعوات حل البرلمان تصبح مريبة إلى حد ملموس فيما يعلم الجميع أن البرلمان الحالي القائم هو الأول بعد مسار ووثيقة وتشريعات التحديث السياسي، الأمر الذي يبلغنا ضمنا بنسبة الارتياب والشكوك في تلك الاقتراحات التي لم تعد بريئة وأهدافها قد تكون من بينها الانقلاب على التوافقات التي صاغت التحديث السياسي وانتهت بمسار وطني حظي بما يشبه الإجماع.

القضايا المطروحة في مسار التحديث وعلى رأسها التعددية الحزبية والانتخابات النظيفة لم تكن في الماضي القريب تحظى بأي توافق أو إجماع.

لا نعلم بصورة محددة ما الذي يجري خلف الستائر والكواليس. لكن نشتم تلك الرائحة التي تروج لسيناريو وهمي مضمونه أن الشعب يريد حل البرلمان.

نفهم أن يقترح سياسي ما الانتقال إلى الاشتباك مع خيار دستوري مثل إجراء انتخابات مبكرة شريطة أن يقدم ذلك السياسي الأسباب والموجبات وبصيغة عقلانية وراشدة وموضوعية.

ولا نفهم أن تصبح دعوة حل البرلمان في الأردن أقرب إلى حفلة غنائية يشارك فيها نشطاء مدنيون واجبهم ووظيفتهم الدفاع عن خيارات الناس الانتخابية وليس الدعوة إلى حل البرلمان وقصف عمره.

يشارك في الحفلة زملاء كانوا قد تخصصوا في آخر عامين فقط وحصرا في أداء واجب وطني واحد ومزعوم هو شيطنة التيار الإسلامي والمقاومة الفلسطينية لا بل وكل من يخالفهم الرأي.

واضح تماما لكل مراقب حصيف أن خطة ترويج مقترح حل البرلمان يتبناها مجتهدون كثر فجأة في الواقع النخبوي وأحيانا البرلماني ذاته في وجبة بدأت حقا تثير الارتياب.

الأصل والجذر في المسألة أن يكمل البرلمان ولايته الدستورية وتوقيته كاملا وأن تحرص الأطراف المعنية حصرا على قيمة الديمومة تلك مع مجلس النواب الحالي لأنه أول مجلس تفرزه انتخابات بجرعة نزاهة مرتفعة للغاية وينتج عن مسار التحديث السياسي برمته الذي يفقد حلفاءه وشركاه ورموزه واحدا تلو الآخر في انسحاب غير مفهوم بدأ يسترسل في التنظيم للعودة إلى الماضي وإلى مرحلة ما قبل استراتيجية التحديث السياسي.

البعض يريد تحويل التحديث إلى «استراحة قصيرة» أو «جمعة مشمشية» والمريب حقا سياسيا أن يخرج علينا من يزعم بأن حل البرلمان هو الطريق الوحيد لحماية المصالح الأردنية بعد الأمر التنفيذي الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص الإسلاميين في الأردن ومصر ولبنان.ترامب لا يشارك في انتخابات عمان ولا يعلم عنها شيئا.

وسفيره في العاصمة في ولايته السابقة قرأ قصائد في مديح نزاهة انتخابات شكك في نزاهتها وبعض إجراءاتها آنذاك المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهو الجهة الرسمية المعنية باسم الدولة في تقييم حالة الحريات العامة في البلاد.

الديمقراطية كقوة وسلاح بيد الأردنيين آخر هموم الرئيس ترامب وطاقمه.

غير معقول وغير مقبول أن يتخذ الرئيس الأمريكي إجراء ما ثم فجأة تغرق الشاشات المحلية بأصحاب الرأي القائل بضرورة حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة خوفا أو هلعا أو تفاعلا مع نوايا ترامب وزمرته.

الطاقم الأمريكي في كل حال يعمل على توقيت تل أبيب وأجندتها ومصالحها ولا يحفل بالأردن والأردنيين لا دولة ولا شعبا.

المبررات لقصف عمر الولاية الدستورية المنصوص عليها في بلد مثل الأردن يجب أن تكون طارئة ومقنعة، وكذلك الاعتداء على حقوق الناس التمثيلية بعدما شاركوا في الاقتراع حيث يوجد 11 نائبا على الأقل ليسوا إسلاميين ولا يتطرق ترامب لهم بأي صيغة.

من قرر أنه لا يشاهد إلا حل البرلمان يمكنه مراجعة «طبيب عيون» ومن يخطط ترامب لاستهدافهم في الأردن أصحاب شرعية انتخابية ودستورية ووطنية وأخلاقية مواجهتهم وحصارهم فقط بالصناديق.

اقتراحات حل البرلمان ليست هي المريبة ولكن كثرتها وتزاحمها وتوقيتها وصدورها عن أصوات تحترف شيطنة القوى الوطنية وتدعو للانقلاب على المقاومة الفلسطينية هو المريب.

لا يمكن الادعاء بأن الضغط من أجل وضع الدولة والقيادة أمام خيار استراتيجي واحد هو حل البرلمان الحالي خطوة بريئة أو يتوجب أن تحظى بالتقدير.

من يضغطون الآن في عمان لحل البرلمان يقتضي واجبهم المنطقي معارضة حل البرلمانات قبل وقتها، وتقتضي وظيفتهم في السجل المدني السهر على حصول برلمان منتخب في عملية اقتراع شهد الجميع بنزاهتها على حقوقه الكاملة في تمثيل الناس والشعب.

ثمة عشرات بل مئات الحلول البيروقراطية والقانونية والسياسية والتكتيكية في التفاعل والتعاطي مع أي أجندة قد تضغط على البلاد والعباد لاحقا.

وليس من بين هذه المقاربات إطلاقا ممارسة الإفتاء على عقل دولة تملك خبرات متراكمة في التعاطي مع الاحتياجات والأولويات والمصالح.

مقالات ذات صلة