
ما الذي ينتظره الأردنيون بعد الحرب؟
ماهر أبو طير
حرير- مرّ عامان على حرب غزة وحروب الإقليم، ووسط هذه الحروب كان الداخل الأردني مشدود العنق نحو كل هذه الأزمات وكلفتها.
السؤال حول ماهية الأردن بعد حرب غزة على افتراض توقفها كليا، لا يعيد الإشارة إلى الأزمات القائمة فعليا، أو تلك المحتملة في الإقليم وحسب، بل يتعمد التركيز على جوهر الداخل الأردني من حيث حاجتنا الى تغيرات في السياسات العامة، وبعض من ينفذها، لأننا كنا أمام فرق مختلفة في زمن الحرب، تبدى دورها في ظروف صعبة، ولا يعقل أن تصلح ذات الطريقة لكل المراحل، خصوصا، مع حاجة الأردنيين إلى إدارة تعوض الذي فات وقد تأجلت أولويات كثيرة.
نحن بحاجة أيضا إلى التركيز على الإصلاح السياسي بمعناه الحقيقي وليس البديل المؤقت لقطع المراحل، وبحاجة إلى إفشاء مصالحات داخلية، وإعادة التموضع على صعيد ملف الاقتصاد والاستثمار على فرض توقف الحرب كليا، مثلما نحن بحاجة إلى مشروع وطني عام سبق الحديث عنه مرارا لتعريف عناوين الداخل، والأولويات وما الذي نريده خلال عشر سنوات، بدلا من جدولة كل شيء بذرائع مختلفة من الحرب الى الأزمات إلى الحروب المحتملة في الإقليم.
كل ما سبق يفترض وقف الحرب كليا، لكن هذا استنتاج مشروط، لأن عودة الحرب في غزة ذاتها أمر محتمل، وقد تستجد مستجدات أخطر في ملف الضفة الغربية والقدس تحديدا، بما يعني احتمال زيادة الضغط على خواصر الأردن الغربية، على صعيد انفجار الوضع الأمني، وانهيار سلطة أوسلو، والتهديد بملف الهجرة.
يضاف إلى ما يرتبط بالإقليم وتحديدا ملفات تجدد الحرب في لبنان، واحتمالات تقسيم سورية، ونشوب حرب ضد العراق، وضرب إيران مجددا، وهي ملفات قد تعيد النار إلى كل المنطقة، ولا تستثني أحدا، وقد نكتشف لاحقا أن الحرب في غزة قدحت حروبا أخطر في مواقع ثانية، ولا يمكن السيطرة عليها، أو توقع كلفها النهائية.
أمام كل هذه الاحتمالات يتراجع المراقبون أحيانا عن الفأل بقدرة الأردن على إنتاج مرحلة جديدة بعد عامي الحرب، وهذا من حقهم لأن ملفات كثيرة ما تزال مفتوحة النهايات، لكن الحد الأدنى المطلوب اليوم إعادة مراجعة الأداء خلال العامين الفائتين، واستكشاف نقاط القوة والضعف، وأين كانت المخاطر، ومن كان معنا، أو ضدنا، وتقييم الخريطة الداخلية، وخريطة العلاقات في الإقليم، وهي خريطة متقلبة، ولا شيء يثبت فيها تماما.
إذا حاورت مسؤولا في عمان يجيبك بكل بساطة أن ما سبق مجرد تنظير، وأن الأردن ليس لديه الترف لإعادة التموضع بسرعة ومرونة، إذا توقفت الحرب، أو حتى تواصلت وتمددت، لأن كل دول الإقليم عالقة بملفاتها الداخلية، وكلف جوارها، وبحيث تتحول الإدارة اليومية إلى أمنية ملطفة، وسياسية تتجنب الأزمات قدر الإمكان، واقتصادية تقلل كلف ضربات الإقليم، دون القدرة على إعادة مراجعة كل شيء ما لم يهدأ كل الإقليم فعليا.
يبقى العنوان الأبرز الواجب التنبه له، ويتعلق بالداخل الأردني الذي تشاغل طوال عامين بالحرب، وتمت جدولة ملفاته الاجتماعية والاقتصادية بسبب تأثيرات الحروب، وهذا الداخل تجاوب مع الواقع، ومارس الصمت الإيجابي تجاه احتياجاته، لكنه اليوم يخرج من حالة الحرب ويستدير نحو أولوياته الشخصية والعامة، ويسأل بشكل مباشر عن قضاياه وملفاته، ولن يقبل بأي ذريعة تؤجلها.