تعديل دستوري لا بد منه

جهاد المنسي

حرير- يُعد الدستور الإطار الجامع والمرجعية العليا التي تنظم الحياة السياسية وتحدد ملامح عمل السلطات الدستورية في البلاد، فهو الذي يرسم صلاحياتها، ويضبط العلاقات فيما بينها، ويضمن استمرارية الدولة ومنع وقوعها في أي فراغ تشريعي أو سياسي. ومع مرور الوقت وتغير الظروف السياسية والاجتماعية، تبرز ثغرات عملية تحتاج إلى معالجة، ليس من باب الانتقاص من الدستور، بل من باب تطويره عبر تعديلات دقيقة تُبقي النصوص منسجمة مع الواقع العملي، لذلك فإن التكرار المستمر لعبارة «لا يجوز فتح الدستور» لم يعد مبرراً، بل إن الضرورة تقتضي أن نعيد النظر فيها، لأن معالجة أي ثغرة تشريعية لا تقلل من قيمة الدستور، بل تعزز من قوته وصلابته.

من أبرز هذه الثغرات ما يتعلق بمدة رئاسة مجلس النواب، فالمادة (69) من الدستور، في فقرتها الأولى تنص على أنه «ينتخب مجلس النواب فـي بدء الدورة العادية رئيساً له لمدة سنة شمسية واحدة ويجوز إعادة انتخابه»، ورغم أن النص يبدو لأول وهلة واضحاً وبسيطاً، إلا أن التطبيق العملي يكشف عن إشكالية زمنية، خصوصاً عند تداخل الفترات بين فض دورة عادية وافتتاح أخرى جديدة.

لتوضيح ذلك بمثال عملي: فلو جرى انتخاب رئيس المجلس في العشرين من تشرين الأول مع افتتاح الدورة العادية الأولى، فإنه دستورياً يبقى في موقعه حتى التاسع عشر من تشرين الأول من العام التالي، أي بانقضاء السنة الشمسية، غير أن الدورة العادية الثانية قد تُفتتح في الأول من تشرين الثاني، ما يعني أن هناك فترة زمنية مقدارها عشرة أيام لا يغطيها النص صراحة، في هذه الفترة، يكون الرئيس قد أنهى مدته، بينما لم يُنتخب رئيس جديد، ما يخلق إشكالية دستورية: هل يستمر الرئيس استناداً إلى العرف وضماناً للاستمرارية، أم أن المجلس يكون بلا رئيس دستورياً خلال هذه المدة؟ وفي الحالتين، فإن أي إجراء يتخذه الرئيس خلال هذه الأيام القصيرة يظل عرضة للطعن والنقد.

مثل هذا الفراغ، حتى لو كان قصيراً، لا يجوز تركه لاجتهادات أو أعراف، فالمؤسسات الدستورية يجب أن تستند إلى نصوص واضحة وحاسمة لا تحتمل التأويل، وعليه فإن معالجة هذه الثغرة تستوجب تعديلاً دستورياً ينص صراحة على استمرارية رئيس المجلس إلى حين انتخاب رئيس جديد مع افتتاح الدورة التالية، أو أن يحدد آلية مؤقتة لإدارة شؤون المجلس خلال الفترات الفاصلة بين الدورات.

لقد عرف الدستور الأردني تعديلات مهمة في مراحل مختلفة، استجابة لحاجات الواقع ومتطلبات التطوير السياسي، ولم يكن ذلك إلا تعبيراً عن مرونة النص وقدرته على التكيف مع متغيرات الحياة السياسية، واليوم، نحن أمام حالة مشابهة تتطلب أن يواكب النص الواقع العملي ضماناً لاستمرار المؤسسة التشريعية دون ثغرات، خصوصاً أن هذه الثغرة ليست جوهرية في بنيان النظام الدستوري، بل إجرائية، ومعالجتها تحمي المؤسسة وتغلق باب التأويل.

إن قوة الدساتير تكمن في مرونتها وقدرتها على الاستجابة للتطورات، والتعديل المطلوب هنا لا يمس جوهر النظام ولا يخل بتوازن السلطات، وإنما يعالج ثغرة صغيرة قد تفتح الباب أمام تعطيل العمل النيابي أو التشكيك في شرعيته، وإذا ما فُتح الدستور للتعديل من أجل هذه الغاية، فمن الممكن كذلك النظر في تعديلات أخرى قد تفرضها المرحلة.

وعليه، فإن المصلحة الوطنية تقتضي أن تبادر الجهات المعنية، سواء مجلس النواب نفسه أو الحكومة، إلى تقديم مشروع تعديل دستوري يحصن المجلس من أي فراغ ولو كان قصيراً، فالأصل أن تبقى الدولة بعيدة عن أي ارتباك، وأن تظل السلطات الدستورية تعمل بانسجام وانتظام، استناداً إلى نصوص صريحة لا تترك مجالاً للاجتهاد أو العرف.

مقالات ذات صلة