هل يفرض ترامب سلاماً منقوصاً في أوكرانيا؟

مالك ونوس

حرير- لم تتضافر عوامل سابقة لعقد قمّة بين الرئيسَين، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، كما تضافرت العوامل التي فرضت عقد القمّة المرتقبة في ألاسكا بين الرجلَين، اليوم الجمعة (15 أغسطس/ آب). هذه القمّة، التي بدا وكأنّ الرئيسين بحاجة إليها، بعدما ساهمت عوامل موضوعية أسّس لها ترامب في فرضها. ومن المقدّمات التي مهّد لها ترامب، أن الرجل يظهر وكأنه يريد أن يضع بوتين في زاوية لا سبيل له من الخروج منها، ما لم يعمل وفق رغبة ترامب وإجراءاته لإنهاء الحرب، رغبة وإجراءات فيهما كثير من الترغيب والترهيب، الذي لا يمكن أن يتجاهله بوتين. لكن معطيات الفترة السابقة تفيد بأن بوتين ما زال ينكر عبثية الحرب التي يشنّها على أوكرانيا، التي ورَّط بلاده بها مع ظهور بوادر جديدة لإدخال بلاده في منزلقات لم يتوقّعها، فإذا وافق على الشروط الأميركية (ويا للمفارقة!) يكون قد أنقذ نفسه (وبلاده) من مزيد من العقوبات والعزلة، ومن الانهيار الاقتصادي الذي ستقود إليه الحرب والعقوبات معاً إن استمرّا.

أبدى ترامب مبكّراً اهتماماً شديداً بالحرب الروسية على أوكرانيا، كما ظهر وكأنّه يحمل رؤية مختلفةً لها؛ إذ قال سابقاً: “لو كنتُ أنا الرئيس لما اندلعت تلك الحرب”، كما قال إنه سينهيها في 24 ساعة حين يصبح في الحكم. لكن تفاؤل ترامب قابله تعنُّت بوتين من جهة، وعبثية الحرب التي باتت أهدافها بعيدة من منال روسيا، علاوة على التعقيدات التي باتت تحيط بها، من جهة أخرى. وفي الوقت الذي يحمل فيه ترامب إلى القمّة أفكاراً حول سبل وقف الحرب، كانت أوروبا تحذّر من جوائز غير مستحقّة قد يغدقها على بوتين من أجل دفعه إلى وقفها. ومن أجل ترغيبه، قد يعمد ترامب إلى إعطاء ما لا يملك إلى بوتين؛ أراضٍ أوكرانية طالب بها بوتين خلال لقائه المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، في 6 أغسطس/ آب الجاري في موسكو، وبدا واضحاً أنها قد تكون جزءاً من الثمن الذي يطلبه لوقف الحرب.

ربّما كان ترامب واهماً خلال حملته للانتخابات الرئاسية الأميركية، أواخر العام الماضي (2024)، حين أبدى القدرة على إنهاء الحرب، مُعوِّلاً على علاقته السابقة والمميّزة مع بوتين. غير أن التعقيدات الجديدة التي أحاطت بهذه الحرب، التي يُصنّف جزء منها نفسياً، ويتعلّق بالكرامة الروسية، وصعوبة وقف الحرب من دون أن يحقّق بوتين الأهداف التي وضعها قبل شنّها، تضافرت جميعها لجعل مهمته مستحيلةً. لذلك رأينا كيف سارع ترامب إلى تحديد مهلة انتهت يوم الجمعة الماضي (9 أغسطس الجاري) لإنهائها، وإلا ستفرض بلاده عقوبات اقتصادية جديدة، ليس على روسيا وحدها فحسب، بل كذلك على شركائها التجاريين. وقد ظهر أول وأسرع قرار في هذا الصدد قبل أيام مع رفع ترامب الرسوم الجمركية على البضائع الهندية الواردة إلى بلاده إلى 50%، بسبب استمرار نيودلهي باستجرار النفط الروسي. وبهذه الحالة يتصرّف ترامب على عكس ما توقّع كثيرون من استمراره بإعطاء المُهل لبوتين، وتخفيف الدعم لأوكرانيا، وترك أوروبا تواجه وحدها تبعات حرب بوتين على أوكرانيا.

ولكن، وفي وقتٍ يظهر فيه ترامب حَزمَه، يحمل عقد القمّة المرتقبة في ألاسكا دلالة مريحةً ومبشّرةً لموسكو، فهذه المنطقة الشاسعة تمثل التقاءً للمصالح الاقتصادية المشتركة لأميركا وروسيا. ما يجعلنا نستنتج أن ترامب لا يحمل معه العصا وحدها خلال توجّهه إلى ألاسكا، بل يحمل وعوداً للازدهار لروسيا، تعوّضها عن سنوات العزلة ومرارات العقوبات الاقتصادية وسحب الاستثمارات وقطع العلاقات التي بدأت سنة 2014، مع إعلان موسكو ضمّ شبه جزيرة القرم، وتصاعدت حتى وصلت إلى درجة لا مثيل لها مع إعلان بوتين عمليته العسكرية الخاصّة، في 22 فبراير/ شباط 2022، لتغيير الحكم في كييف، لاعتقاده أنه يشكّل تهديداً كبيراً لبلاده. غير أن تلك العملية التي توقّع الكرملين ألا تدوم أكثر من أسبوعين، استمرّت سنوات، وبدت عبثيةً بلا أفق، وغير قابلة للحسم، تغيّرت معها صورة روسيا، وجلبت العار لقادة الكرملين بسبب الانتهاكات التي اقترفها جيشهم في أوكرانيا، وما أحدثته من توتّر في أوروبا، وما سبّبته من فوضى اقتصادية في العالم أجمع، وهو ربّما ما لم يكن يتوقّعه الروس، أو ربّما توقّعوه لكن ورطتهم كثيرة الأوجه منعتهم من إيقافه.

على الرغم من الرغبة الجامحة لدى أوكرانيا والدول الأوروبية لرؤية هذه الحرب المؤلمة للقارّة وقد وضعت أوزارها، إلا أنهم يتخوّفون من احتمال أن يكافئ ترامب بوتين بالأراضي التي طالب بها الأخير في دونيتسك لدفعه إلى توقيع اتفاقية سلام. وفي هذه الحالة، قد لا يتوقّف الأمر عند دونيتسك، إذ إن اتفاقاً من نوع تبادل الأراضي الذي قيل إن الروس طرحوه على ويتكوف، ولم تُعرف تفاصيله، ربّما يحمل معه طي موضوع القرم تحصيلاً حاصلاً. كما قدّ يؤدّي إلى إعفاء روسيا من تعويضاتٍ قد لا تعجز أوروبا وأوكرانيا من إجبار موسكو على دفعها في مراحل لاحقة، بعد إجراء تحقيقات في الخسائر التي تسبّبت بها الحرب لأوكرانيا وأوروبا. ويدعم هذا الخوف، سعي ترامب إلى الظهور بمظهر رجل السلام على حساب مصالح المتضرّرين، واستعداده لفرض اتفاقية سلامٍ غيرَ عادلة، من ذلك الذي تخوّف منه الرئيس الأوكراني، فولودومير زيلينسكي، حين حذّر قبل أيام، بعد اتصال هاتفي أجراه مع الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، من أنه قد لا يدوم طويلاً.

 

مقالات ذات صلة