ثالوث الكارثة و النهضة والنكبة

د. لؤي ديب

عندما استمعت بالأمس لخطاب نتنياهو استوقفني فوراً دعوته لتغير اسم الحرب من السيوف الحديدة الى ( النهضة ) والتى تلفظ بالعبرية ( تكوما ) ، وربما مر عليها الكثيرون مرور الكرام لكنها كانت أخطر ما جاء في الخطاب وكارثة جديدة قادمة في الطريق .

بدأت الذاكرة تشدني فوراً لكتاب ( الكارثة والنهضة والنكبة ) والذي قرأته بتمعن في نهاية العام 2013 واعتقد انه كان يتكون من 375 صفحة ان لم تخني الذاكرة للكاتب يئير أورون استاذ التاريخ في الجامعة المفتوحة في إسرائيل، وصدر له 20 كتابا اختص اغلبها في حروب الإبادة.

الكتاب تعمق بطريقة رائعة كيف استغل بن غوريون ثالثوث ( الكارثة والنهضة والنكبة ) ، بشكل اوضح سعي بن غوريون بكل قوة لاستخدام الكارثة التى حلت باليهود في اوروبا في تجيش 650 الف يهودي في فلسطين لارتكاب فظائع النكبة وكيف الحقها بالنهضة ليحوز صك الغفران من المجتمع الصهيوني ويبرهن للعالم أهمية اسرائيل .

أدرك بن غوريون الامكانيات العظيمة في المحرقة و أن العالم الذي اهتز عندما رأى حجم فظائع الكارثة التى حلت باليهود في اوروبا الي جانب عدم رغبة اوروبا بعودة اليهود اليها ، سيجعل العالم يقف إلى جانب ( الييشوف اليهودي في فلسطين حتى لو ارتكب فظائع كالتى ارتكبها النازي .

كان بن غوريون يواجه ايضا معضلة الداخل اليهودي في فلسطين واستخدم الكارثة للتأثير على ( الييشوف اليهودي في فلسطين ) و تحذيره وإنذاره وشحذ هممه وتعزيز محفزاته للقتال في الحرب ضد الفلسطينيين والعرب لتجنب وقوع كارثة جديدة. فقد أكد بن غوريون مرارا في سياق تعبئته لليشوف ولليهود في العالم “علينا عدم القول أن ما حدث في أوروبا لستة ملايين يهودي لا يمكن أن يحدث ل 650 ألف يهودي في فلسطين… فقد يحدث في فلسطين ما حدث في إوروبا… إذا لم نستعد بجدية ومن دون تسويف و نجح بن غوريون فعلا في إقناع المجتمع اليهودي أنه يخوض صراع وجود فإما النصر على الفلسطينيين والعرب أو الموت، فما ينتظر الييشوف في حال هزيمته سيكون شبيه بالكارثة التي لحقت بيهود أوروبا وهو التقديم الذي مهد لتنفيذ خطة ( داليت ) والتى انطلقت من تحت مظلتها العصابات الصهيونية لارتكاب ابشع الفظائع ثم انتقلت للطرد والتهجير تحت مبرر لا اخلاق او الفناء .

واستطاع بن غوريون النجاح حتى مع اليسار الصهيوني وقتها فعلى سبيل المثال لا للحصر ، حزب مبام الصهيوني اليساري كيف غير، عمليا ، خلال حرب 1948 مطلبه الأساسي الذي كان يدعو للتعايش بين العرب واليهود، واستبدله بمطلب طرد العرب الفلسطينيين من قراهم ومدنهم. ولم يكتف مثلا كيبوتس مشمار هاعيمق بمطالبة بن غوريون في الثامن من نيسان/ إبريل 1948 بطرد العرب من المنطقة، وإنما طالب أيضا بحرقهم ، وللعلم كانت قوة حزب مبام تتركز في كيبوتسات “هاشومير هاتسعير” والجليل عموما وان افراده وبعيداً عن عصابات الهجاناة وغيرها هم من هجروا الجليل وارتكبوا فيه مجازر بشعة من حرق القري وقتل سكانها وتهجيرهم .. الخ .

كان بن غوريون يعلم ان حربه اللاخلاقية سوف تضعه لاحقاً على طاولة حساب عسير داخلياً وخارجياً فحربه كلفت المجتمع اليهودي في فلسطين 1‎%‎ من 650 الف ك قتلى ، وكان عليه ان يهديء العالم بجملة قوانين والاعيب سياسية تعزز سعيه للسلام واقنع الجميع لو الضرورات التى لجأ اليها لما كانت نهضة الامة اليهودية .

نتنياهو يواجه نفس الظروف التى واجهها بن غوريون وايضا نفس العواقب تنتظره ، لذا فان لجوئه وبعد سنة من الإبادة الي اعادة إحياء ثالثوث ( الكارثة والنكبة والنهضة ) يدلل الي سعيه لتهيئة المجتمع الصهيوني لانحدار اخلاقي اكثر بشاعة مما مارسه خلال العام الماضي محاولاً ترويج انها حرب بقاء او فناء وأن كل شيء فيها مباح وايضاً يحصن نفسه بالنهضة للعواقب التى تنتظره ، بل يهيء المجتمع الصهيوني لنتيجة مقاربة بأن عدد القتلي الصهاينة يمكن ان يقفز الى 1‎%‎ من اجل بقاء الأمة اليهودية ، ويضع الغرب خصوصاً والعالم عموماً بين خيار تحمل عواقب انهيار اسرائيل او غض الطرف عما ستقدم عليه من اعمال سوف تصدم الانسانية .

تغير اسم الحرب لا يرتبط فقط بشخصيته المريضة كمنقذ للامة اليهودية على حساب دماء الابرياء حولهم ، بل يرتبط ارتباط وثيق بما يخطط للاقدام عليه في فلسطين ولبنان والمنطقة عموماً بالقفز بعيدا وراء الخطوط الحمراء التى تجاوزها منذ اليوم الاول لحرب الابادة التى يقودها ، يريد ان يقول للعالم انه سيدخل المناطق المحرمة مهما كانت النتائج ويريد ان يقول للمجتمع الصهيوني ان لا خيار امامه وفي النهاية ينجو بفعلته .

اعلانه عن تغير اسم الحرب هي اشارة دون ان يتكلم لانه يعلم ان الغرب يقرأ بعمق كل كلمة وان العرب حوله لن يدركوا ما يرمي اليه الا وهو يقف على ابواب بيوتهم ، امر خطير جدا لم ينتبه اليه احد ومنع الرقيب العسكري في اسرائيل مثقفيها من التعمق فيه .

كلمة كانت يجب ان تخلق استنفاراً اعلامياً وسياسياً وامنياً وعسكريا في كل المنطقة العربية وتتجاوز حدودها ليس الي ايران فحسب بل باكستان ، ويبدو اننا امام مرحلة ثانية لمشروع دموي وجد فيه شركاء من غير العرب لتنفيذه وكل همه تنويم العرب في العسل حاليا لأن طرقته لهم ستكون على الرأس مباشرة…

مقالات ذات صلة