جرح عربي واضح ومداواته كذلك!

محمود خطاطبة

حرير- على مر القرون تعرضت منطقتنا إلى عدة مصائب وحروب وأزمات مفصلية، كان أكثرها دموية ودمارا، في العام 1258، عندما استباح التتار، بقيادة هولاكو، عاصمة الخلافة الإسلامية (بغداد)، وعاثوا فيها فسادا وإفسادا، حيث قتلوا نحو مليون مسلم في غضون أربعين يوما فقط، ودمروا مكتبة بغداد، وكانت وقتها أعظم مكتبة في العالم، فضلا عما ارتكبوه من فواحش وسرقات وتدمير وحرق.

وقد وصف المؤخرون وكتّاب التاريخ بأن تلك الحرب من أعظم المصائب التي أصابت المسلمون، جراء ما تعرضوا له من ذل وهوان، سبقه تشرذم وتفرقة.. لكن ما يعيشه العرب والمسلمون في الوقت الراهن، هو أعظم مما لقيه المسلمون في بغداد.

فتلك الحرب وما تضمنته من تدمير لبغداد، وقتل لأهلها، وتدمير لمعالمها، قرأنا عنه في الكتب، وسمعنا بحيثياتها من الرواة والمؤرخين، بعد مرور الكثير من الأعوام، ما يعني أنه قد يكون هناك مبالغة في وصف ما حصل.. لكن ما يتعرض له العرب والمسلمون حاليا، ليس فيه أدنى شك أو مبالغة، فنحن نشاهد بأم أعيننا، ومباشرة من خلال القنوات الفضائية المجازر التي ترتكبها آلة البطش الصهيونية بحق أبناء جلدتنا.

فها هي قوات ا لاحتلال الإسرائيلي بعدما “أسرفت” في القتل إسرافا في قطاع غزة، على مرأى ومسمع العالم أجمع، لا بل وبدعم من دوله التي تدعي أنها “عظمى”، وجهت قبل أيام نيران طيرانها الحاقد، ومدفعياتها ودباباتها، غربية الصنع، صوب لبنان، الذي لم ينته أنينه منذ عقود، بالإضافة إلى ما تعرض له السودان والصومال، من حروب وأزمات، ومن قبلهما ما حصل في ليبيا وسورية، إبان ما يسمى بـ”الربيع العربي”، وقبل كل ذلك العراق.

لقد وصل العرب إلى مرحلة من التفرقة، والانقسام، والهوان، ما يوحي بأنه قد ينطبق علينا قول الشاعر المتنبي: “جرح في ظهر الخيل تحت السّرج متداري … لا الخيل تشكي ولا الخيّال داري”.. نعم، لقد وصلنا إلى مرحلة الكثير منا لا يأبه ولا يهتم بأشقاء له يرزحون إما تحت نير الاحتلال، أو تكالب دول من أجل السيطرة على ثرواتهم، أو ويلات انقسامات وأزمات داخلية أسبابها كثر، أكانت داخلية أم خارجية.

وإذا كان قول الشاعر بأن الخيل تئن، والجرح متدار، فإن الجرح العربي ظاهر للعيان، كالقمر في ليلة بدره، وإذا كان الفارس أو الخيال غير دار أو منتبه لذلك الجرح، فإن جل العرب والمسلمين، وللأسف، يعلمون علم اليقين أين مكان الجرح بالضبط، لا بل ويعرفون كيفية مداواته.. لكنهم يغضون الطرف بشكل متعمد عن ذلك، إما لضعف وهوان، وإما لخوف على غنائم باتت تعتبر حقا من حقوقهم، وإما من باب عدم الانتماء لهذا الوطن الكبير.

جميع العرب باتوا يمنون النفس بأن لا ينطبق عليهم قول المتنبي، ويحلمون أو يأملون بأن ينطبق عليهم ما جادت به قريحة الشاعر والأديب السعودي مهذل بن مهدي الصقور عندما قال بعد إبداع في وصف الحرق والقتل: “عبثا تحاول لا فناء لثائر، أنا كالقيامة ذات يوم آت”.

فدول المنطقة كلها، وليس الأردن فقط، يمر بمرحلة حساسة، لا بل وخطيرة، في ظل التطورات المتسارعة، إثر تسارع آلة الحرب الوحشية والهمجية في فلسطين وغزة ولبنان.

جميع أبناء المنطقة في دائرة الاستهداف الصهيوأميركي، مطالبون بالتكاتف والتعاضد للحفاظ على أمن واستقرار بلداننا.. ولنضع نصب أعيننا قول الشاعر العراقي: “والجِم همومك واسرج ظهرها فرسا… وانهض كسيف إذا الأنصال تلتحم”.

مقالات ذات صلة