انسحاب جيش الاحتلال من غزة شرط لتبادل الأسرى

ابراهيم نوار

حرير- من الخطأ أن تسير عجلات قطار المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل على قضبان ومسار وضعتهما إسرائيل. ومن الضروري أن تستلهم المقاومة الفلسطينية درس المفاوضات الفيتنامية – الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي، من أجل تصويب مسار المفاوضات، وذلك بربط تبادل الأسرى والمحتجزين بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة، وليس بوقف إطلاق النار؛ فحيثما بقي جيش الاحتلال ستشتعل نيران الحرب مرة أخرى، وسيكون الحديث عن مجرد وقف إطلاق النار مهزلة مضحكة. في مفاوضات السلام الفيتنامية – الأمريكية أصر هوشي منه على ربط تبادل الأسرى بانسحاب القوات الأمريكية والقوات الأجنبية كافة من فيتنام، ورفض رفضا قاطعا أضحوكة التزام القوات الأمريكية بوقف إطلاق النار.

ليس غريبا أن تستمر القوات الإسرائيلية في ممارسة أساليب العصابات المسلحة البربرية المتوحشة، التي كانت دائما الوسيلة الرئيسية لترويع الفلسطينيين الأبرياء، وطردهم والسيطرة على أراضيهم، وتقتيل من تبقى منهم حيا ولم يهرب. وليس غريبا على جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يعيد اقتحام المخيمات الفلسطينية مرة بعد مرة، وأن يرتكب المذابح في غزة مرة بعد مرة، كما قالت بصدق فرانشيسكا ألبانيز مسؤولة الأمم المتحدة عن ملف الأرض الفلسطينية المحتلة. لقد وصفت غزة بعد الاحتلال الإسرائيلي بأنها أكبر معسكرات الاعتقال، وأكثرها خزيا في القرن الحادي والعشرين، حيث تقوم إسرائيل بإبادة الفلسطينيين حياً وراء حي، ومستشفى وراء مستشفى، ومدرسة وراء مدرسة، ومخيماً للاجئين وراء مخيم، ومنطقة آمنة وراء منطقة، باستخدام أسلحة أمريكية وأوروبية، في ظل لا مبالاة من جانب كل «الدول المتحضرة». وما الرقم الرسمي لضحايا العدوان الإسرائيلي الذي تجاوز

الـ40 ألف شهيد، إلا مجرد مقياس يشهد على الهمجية والوحشية والبربرية الإسرائيلية، التي تزعم انها تدافع عن «العالم المتحضر»!

الآن وقد دخلت الحرب أسبوعها الثاني والأربعين، وما تزال إسرائيل تستخدم كل آلتها العسكرية من دون أن تنجح في إسكات المقاومة، أو كسر إرادة الصمود الفلسطيني، فلتعلم إسرائيل أن بندقية المقاومة لا تسقط. ورغم أنها مجرد ماسورة وزناد وطلقات رصاص، في مواجهة أكثر جيوش العالم وحشية وبربرية، مدعوما بأكبر قوة عسكرية في العالم، فإن الإصبع على الزناد إرادة لا تلين، ولا تسقط. إنها إرادة النصر أو الشهادة، وسوف تستمر حتى تحقيق النصر بإذن الله. إن إسرائيل التي تحصل على السلاح من المخازن الأمريكية المفتوحة لها بلا قيود، لا تجرؤ على إعلان انتصارها على المقاومة، لأنها ترى رد المقاومة حيا في كل لحظة، من بيت حانون شمالا إلى رفح جنوبا، ولأنها تعلم علم اليقين أنها رغم حملة الاغتيالات واسعة النطاق لن تستطيع هزيمة المقاومة، لأن المقاومة عقيدة وإرادة.

هدف إسرائيل استعادة المحتجزين

ومع استمرار المقاومة، تستمر الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو من أجل استعادة المحتجزين من غزة، وهو ما كان الهدف الأول للحرب. ويجب عدم السماح لنتنياهو أن يحقق بالدبلوماسية المراوغة ما فشل في تحقيقه بالحرب البربرية. ولمقاومة الضغوط الداخلية التي يواجهها، فإن نتنياهو المشغول بمواصلة الحرب، يسعى إلى تشتيت انتباه العالم عنها، بمفاوضات من أجل استعادة المحتجزين، حتى يبدو أمام أهالي المحتجزين، وكأنه يعمل على استعادتهم، ويظهر أمام العالم وكأنه يتفاوض من أجل وقف إطلاق النار. وهو في حقيقة الأمر لا يبغي هذا ولا ذاك؛ فهو إرهابي بربري، لا يتورع عن تفضيل إرسال برقيات عزاء إلى أهالي المحتجزين عوضا عن العمل فعلا على استعادتهم أحياء. ويعلم نتنياهو جيدا أن استمرار الحرب بلا نهاية يعني ضياع فرصة عودتهم إلى أهاليهم أحياء، كما قالت صحيفة «جيروساليم بوست» في افتتاحيتها يوم الأحد الماضي تحت عنوان «بعد 10 أشهر، ينفد الوقت بالنسبة للرهائن في غزة». وقد اعترفت الصحيفة في الافتتاحية بأنه من المستحيل قتل أيديولوجية «لا يمكنك قتل أيديولوجية. بإمكانك فقط قتل الناس، خاصة أولئك المحتجزين في أنفاق محكمة الغلق في أعماق الأرض، لفترة يعجز العقل عن تفسيرها». وهذا اعتراف أيضا بأن ارادة المقاومة لا تنكسر، وأن الإسرائيليين تعبوا أمام المقاومة، ومع ذلك فإن الصحيفة قالت إن الأمل الوحيد المتبقي هو جولة المفاوضات الجديدة التي دعا إليها قادة الولايات المتحدة ومصر وقطر، والتي استجاب لها نتنياهو قائلا، إنه سيرسل وفدا للمشاركة فيها. وفي حال تلبية الدعوة فإن المفاوضات قد تبدأ غدا في الدوحة أو القاهرة، حيث يمكن أن تتواصل الوفود مع المكتب السياسي لحماس بقيادته الجديدة، بعد استشهاد إسماعيل هنية. إذا لم تنجح المفاوضات هذه المرة، أو إذا لم تستأنف، فإن أغلبية الإسرائيليين، ربما تعتبر الـ115 المحتجزين الأحياء في غزة حاليا هم في عداد الأموات، لأن الحرب سوف تستمر إلى أجل غير معروف.

وطبقا للتقارير الإعلامية والتصريحات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، فإن تل أبيب تعرف تماما ماذا تريد، وصاحب الكلمة في ذلك، هو كما كان في الجولات السابقة، رئيس الوزراء الإرهابي بنيامين نتنياهو. ببساطة، تريد إسرائيل استعادة المحتجزين، ومضاعفة عدد العائدين الأحياء منهم، واحتلال محور فيلادلفيا ومعبر رفح، واحتلال محور نيتساريم، وعدم عودة مؤيدي المقاومة إلى شمال غزة، واستمرار القوات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في غزة، وضمان حركتها بلا قيود، وإنهاء عمل منظمات الأمم المتحدة في غزة، أو إخضاعها للسيطرة الإسرائيلية. وفي مقابل الحصول على ذلك تعرض إسرائيل وقفا مؤقتا للقتال، وإطلاق سراح عدد لم يتم الاتفاق عليه بعد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ولا يتضمن العرض الإسرائيلي أي إطار سياسي خارج نطاق الاحتلال. لكن نتنياهو شخصيا يطمح في أن يكون وقف إطلاق النار المؤقت في غزة، تمهيدا سياسيا لتطوير التعاون المباشر مع المملكة السعودية، وصولا إلى تطبيع العلاقات رسميا، خصوصا بعد أن أظهرت واشنطن قبولا للمطلب السعودي بشراء أسلحة ذات طابع هجومي، ولم تعترض إسرائيل على ذلك.

إنهاء الاحتلال

وفي مقابل المطالب الإسرائيلية، لا توجد وحدة داخل البيت الفلسطيني، ولا يوجد اتفاق بين الأطراف العربية المشاركة في المفاوضات، خارج نطاق توفير ظروف إنسانية أفضل لحياة الشعب الفلسطيني. لكن المقاومة تعلم أنها لا تقاتل من أجل أن يكون ثمن وقف القتال هو إعادة المحتجزين الاسرائيليين وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وليس غاية صمود الشعب الفلسطيني هو توقيع اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، يتجدد بعده القتال إلى أجل غير مسمى، يرافقه حرمان الفلسطينيين من الماء والغذاء والدواء والكهرباء. ويجب على فرق التفاوض الفلسطينية والعربية، التي يتفاوض البعض منها من وراء ظهر الأطراف الأخرى، أن تكون أهداف المفاوضات واضحة ومحددة ضمن إطار سياسي مصيري يهدف لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة غير المنقوصة السيادة.

الحكام العرب، خصوصا في الخليج، لديهم الأموال المخزنة في سندات الخزانة الأمريكية، وهذه يمكن سحبها تدريجيا، والتهديد بسحبها تماما، واستخدام عوائد بيعها في زيادة غطاء العملات الخليجية من الذهب، ما يعزز قيمتها أمام الدولار الأمريكي. كما أن لديهم القرار بوقف استيراد السلاح من الولايات المتحدة، وشراء الأسلحة من مصادر أخرى، مع المضي قدما في استراتيجية لتصنيع السلاح محليا بالتعاون مع مجموعة متنوعة من الشركاء، والبعد عن سياسة تركيزها مع شريك واحد. ولديهم أيضا النفط والغاز، حيث يمكن تقليل الصادرات أو منعها تماما عن الدول التي تزود إسرائيل بالسلاح وتساند عدوانها على الشعب الفلسطيني. أما الدول العربية التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل فإنها يجب أن تستخدم جوانب هذه العلاقات كأوراق للضغط، وليس للانبطاح.

وفي سياسة التفاوض يجب أن يعلم المفاوض الفلسطيني أن انسحاب القوات الإسرائيلية تماما من قطاع غزة، وضمان عدم عودتها إليه، ومنع دخولها إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، يجب أن تكون الأهداف الأساسية للمفاوضات، وعدم الوقوع في فخ الوقف المؤقت لإطلاق النار. في المفاوضات الفيتنامية اشترط هوشي منه ربط وقف إطلاق النار بانسحاب القوات الأمريكية والأجنبية انسحابا تاما من فيتنام، كما ربط الإفراج عن أسرى الحرب والمصابين الأمريكيين، بانسحاب القوات الأمريكية وليس بوقف إطلاق النار. ما ندعو اليه هنا هو أن يتعلم المفاوض الفلسطيني من التجارب السابقة، وألا يخضع لمنطق المفاوض الإسرائيلي أو للضغوط العربية. ويجب أن تكون بداية المفاوضات هي الاتفاق على أن إعادة المحتجزين وتبادل الأسرى يتم تدريجيا خطوة بخطوة مع انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وليس بوقف إطلاق النار مؤقتا.

مقالات ذات صلة