الصراع في فلسطين وحولها: ملامح المرحلة الانتقالية

عصام نعمان

حرير- لا غلوّ في القول إن الصراع في فلسطين وحولها هو أبرز الصراعات المحتدمة في العالم المعاصر. أطراف الصراع الرئيسيّون خمسة: الشعب الفلسطيني بكل قواه المقاوِمة، الكيان الصهيوني، محور المقاومة بكل أطرافه (إيران، سوريا، حزب الله في لبنان، أنصار الله في اليمن، تنسيقية قوى المقاومة في العراق) الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا.

الصراع بين هذه الأطراف محتدم عسكرياً متراخٍ سياسياً. الصراع العسكري محتدم في قطاع غزة والضفة الغربية وشمال فلسطين المحتلة، ومن شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى شواطئ البحر الأحمر وبحر العرب شرقاً.

الصراع السياسي متراخٍ بسبب انشغال سلطة القرار والتنفيذ في كلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالانتخابات النيابية والرئاسية الجارية فيها، والتداعيات الناجمة عنها، لذا يمكن القول إن الصراع في فلسطين وحولها يتفاعل في مرحلة انتقالية، بدأت مع الانتخابات الجارية في دول الغرب الأطلسي الثلاث، وربما تنتهي مع تبلور سلطة القرار والتنفيذ الجديدة في كلٍّ من الدول المشار إليها. تراخي الصراع السياسي في المرحلة الانتقالية لا يعني بالضرورة شلل سلطة القرار والتنفيذ في دول الغرب الأطلسي الثلاث، بل يشير إلى إحجامها أو تريثها في اتخاذ قرارات حاسمة، الأمر الذي ينعكس قليلاً أو كثيراً على الصراع العسكري الناشط، مباشرةً أو مداورةً، مع خصومها في فلسطين وحولها، ويطرح بالتالي عدّة أسئلة أبرزها ثلاثة:

*الأول: هل يتمكّن الرئيس جو بايدن في المستقبل المنظور من وقف حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، ليترسمل على ذلك كإنجاز في معركته الانتخابية الصعبة والغامضة.

*الثاني: هل يجمّد قرار وقف الحرب المرتقب في قطاع غزة، فعاليات جبهات إسناد المقاومة الفلسطينية في لبنان واليمن والعراق؟

*الثالث: أي مستقبل لفلسطين، كل فلسطين، في حال اقتصرت التسوية المرتقبة على قطاع غزة فقط؟

للجواب عن السؤال الأول تقتضي الإحاطة بالوقائع الآتية:

ـ حركة حماس أبدت مرونة بموافقتها أخيراً على تعديلات أجرتها واشنطن على بعض بنود مقترح الرئيس بايدن لوقف الحرب، لكنها لم تتنازل عن شرطيّ الوقف الدائم لإطلاق النار، وانسحاب «إسرائيل» الكامل من قطاع غزة، بمعنى أنها وافقت على تأجيل تنفيذ هذين الشرطين من المرحلة الأولى إلى المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق بعد تعديله.

ـ حماس أضافت شرطاً جديداً ينصّ على التزام الرئيس بايدن خطياً ببنود الصفقة العتيدة وبإلزام «إسرائيل» بتنفيذ كامل بنود مقترحه، الذي أصبح قراراً صادراً عن مجلس الأمن الدولي يحمل الرقم 2735.

ـ ليس هناك في النصّ المعدل ما يشير إلى أن رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو قد وافق على التعديلات والشروط سابقة الذكر، فهو ما زال يقول إن وقف الحرب مرهون بتحقيق أهدافها وهي، استعادة الأسرى وإنهاء وجود حماس تنظيماً وحكْماً في قطاع غزة.

للجواب عن السؤال الثاني تقتضي الإحاطة بالوقائع الآتية:

ـ لا إشارة في التعديلات المراد إدخالها على مقترح بايدن إلى أن وقف الحرب في قطاع غزة يعني وقفها أيضاً في شمال فلسطين المحتلة، وجنوب لبنان، حيث يحتدم القتال بين «إسرائيل» وحزب الله.

ـ لم تصدر عن نتنياهو أي إشارة إلى أن وقف الحرب في قطاع غزة يستتبع وقفها في شمال فلسطين المحتلة، بالعكس، يصرّ نتنياهو على إعادة السكان الصهاينة إلى المستعمرات في الشمال، حتى لو اقتضى الأمر شنّ حربٍ على لبنان وحزب الله.

ـ لم تصدر عن إدارة بايدن أي إشارة إلى موقف الولايات المتحدة في حال استمرار القتال في شمال فلسطين المحتلة بعد التوافق على الصفقة المرتقبة، وما إذا كان بايدن سيساعد «إسرائيل» في حربها المستمرة أم سيعارضها.

للجواب عن السؤال الثالث تقتضي الإحاطة بمتطلبات سؤال كبير يرتسم أمام قيادات المقاومة الفلسطينية وأطراف محور المقاومة وهو الموقف الذي يتوجّب أن تتخذه تلك القيادات في حال إصرار الولايات المتحدة و»إسرائيل» على حصر التسوية المرتقبة بالحرب المحتدمة في قطاع غزة فقط، أي في حال عدم التطرق إلى مفاعيل وتداعيات الحرب المحتدمة في سائر أنحاء فلسطين التاريخية، ولاسيما في الضفة الغربية. ذلك أن اقتصار التسوية على قطاع غزة يعني عملياً إطلاق يدّ «إسرائيل» لمتابعة حربها على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وتصعيد الحملة المتصاعدة لتشريع المزيد من بؤر الاستيطان، وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الإضافية، وتسريع الإجراءات المحددة لتنفيذ مشروع زرع أكثر من مليون مستوطن في الضفة الغربية، وتعزيز سيطرة كيان الاحتلال على السفوح الشرقية للضفة، خصوصاً تلك الملاصقة لأغوار نهر الأردن.

كل هذه الواقعات والتطورات والتداعيات تُؤكد العلاقة العضوية بين ما يجري في قطاع غزة من جهة، وما يجري من جهة أخرى في كلٍّ من الضفة الغربية وجبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق، الأمر الذي يتطلّب أن تنظر إليه قوى المقاومة المنخرطة مباشرةً أو مداورةً في الصراع بجميع جبهاته وساحاته، كمتحدٍّ واحد متكامل يواجه أطراف المقاومة كلها، ويتطلّب أن تكون لها جميعاً استراتيجية متفق عليها، سواء بشأن الحرب، أو المفاوضات الهادفة إلى تحقيق تسوية للحرب تكون في مصلحة قوى المقاومة أو أقلّه في غير مصلحة العدو. إلى ذلك، لعله لا يغيب عن أذهان قيادات المقاومة جميعاً، أن موازين القوى في المرحلة الانتقالية الراهنة لا تميل إلى مصلحة العدو، الأمر الذي يستدعي إبقاء المقاومة في كامل فلسطين التاريخية ناشطة وصاعدة، وضرورة تركيز أطراف محور المقاومة جميعاً على العمل المنهجي المتواصل، لتأمين انتقال قوى المقاومة الناشطة في فلسطين، كل فلسطين، مهما طال الزمن من حال الاحتلال إلى حال الحرية والتحرر.

مقالات ذات صلة