استراتيجيات: “الفيتو” أداة “دمار وابادة جماعية” برعاية أممية

بقلم د. زكريا محمد الشيخ

بات جليا للمراقب لما يجري في اروقة الامم المتحدة بان ميثاق هذه المنظمة الدولية هو “ميثاق دموي” بحاجة الى جراحة عاجلة لاستئصال المواد التي تقوض الامن والسلم الدولي وخاصة فيما يتعلق بالمادة ٢٧ والتي تمنح الدول الخمس العظمى دائمة العضوية في مجلس الامن (امريكا، الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا” حق “النقض” دون ابداء الاسباب، وبالتالي اجهاض اي قرار ومنع اعتماده من قبل مجلس الامن.
اضحت المادة ٢٧ “اداة دمار دموية” تشرعن الاعمال القتالية بما فيها “الابادة الجماعية” و “التطهير العرقي” وتمرير “جرائم الحرب” بمختلف اشكالها دون محاسبة او القدرة عن “الردع” بحجة حق الدفاع عن النفس.
هذا الميثاق الاممي “البالي” يوفر “الغطاء القانوني” لاي دولة تنفذ اعمال قتالية ارهابية تهدف الى سحق المدنيين وابادتهم، فما على تلك الدولة الا ان تضمن تبنى احدى الدول دائمة العضوية في مجلس الامن لقضيتها واستخدام حق “النقض” لاجهاض اي مشروع لادانتها، تماما كما عكف “الكيان الاسرائيلي” منذ نشأته وما زال، على الدفع بالولايات المتحدة الامريكية وغيرها لدعم كيان “الارهاب” الصهيوني للافلات من جرائمه والتي كان اخرها استخدامها حق “الاعتراض” او ما يسمى “النقض- الفيتو” لاجهاض مشروع قرار وقف اطلاق النار على قطاع غزة وضد محاولة روسية لإضافة دعوة “لوقف عاجل ومستدام للأعمال القتالية” لمشروع القرار رقم ٢٧٢٠ مساء الجمعة الماضي حيث اضطر مجلس الأمن الدولي للاستعاضة عن ذلك باعتماد قرارا مخففا بشأن توسيع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ومراقبتها، لكن دون اعتماد مشروع القرار الخاص بتعليق فوري “للعمليات العدائية” بين “إسرائيل” وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
“النقض” الامريكي منح الكيان الصهيوني ضوءا اخضرا اضافيا ومظلة قانونية أممية للمضي في جرائمه ومجازره التي اوشك ان تنهي شهرها الثالث بحصيلة ضحايا اقتربت من حاجز الثلاثين الف شهيد واكثر من ٧٠ الف جريح وتدمير البنية التحتية لاغلبية قطاع غزة بما فيها المنازل والشوارع والمدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس وكل شيء بلا التفات للمواثيق الدولية او لقواعد الاشتباك وقت الحروب، مع تنفيذ ليس فقط سياسة الارض المحروقة فحسب بل اقتراف ابشع جرائم الحرب من تجويع ومنع لادخال المساعدات والحرمان من تلقي العلاج واستهداف سيارات الاسعاف والطواقم الطبية وفرض التهجير القسري الى جنوب غزة واستهداف المدنيين اثناء تنقلهم في ما يسمى الممر الآمن وكذلك استهداف اماكن تجمعهم التي حددها العدو الصهيوني.
المرعب ان حق “النقض” يشل المنظمة الدولية من اتخاذ اي قرار من شأنه وقف المعتدي بما فيها القرارات التي تتخذ بموجب الفصل السادس والسابع بما فيها المادة ٤١ و ٤٢ و ٤٣ والفقرة الثالثة من المادة 52 حيث تنص المادة ٤٢ بصراحة على حق الامم المتحدة استخدام القوة لردع الدولة المعتدية من الاستمرار بعدوانها وعلى الدول الاعضاء وضع كافة الامكانات العسكرية وحق المرور لتنفيذ مهام الامم المتحدة حسب النص التالي: “المادة 42
إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة”.
كما تنص المادة 43 كالتالي: “يتعهد جميع أعضاء “الأمم المتحدة” في سبيل المساهمة في حفظ السلم والأمن الدولي، أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناء على طلبه وطبقاً لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي ومن ذلك حق المرور”.
ومن المفارقات ان الفصل الخامس- بند التصويت في المادة (٢٧) الفقرة ٣ من ميثاق الامم المتحدة اشترط عدم السماح للدولة العضو في مجلس الامن من التصويت اذا كانت طرفا في النزاع، والكل يعلم بالادلة والتصريحات الصادرة عن القيادات الامريكية السياسية والعسكرية بان الولايات المتحدة الامريكية تشارك بشكل مباشر ميدانيا بالعدوان الدائر حاليا ضد قطاع غزة من خلال جنودها واسلحتها وذخائرها وخبراءها فهي بالاصل تفقد حقها في التصويت، ولكنها تعتمد على الفقرة الثانية من ذات المادة التي تشترط عدم اعتراض اي دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية على التصويت وان الامتناع او الغياب لا توقفان اعتماد القرار شريطة ان يصوت لصالح القرار تسعة اعضاء من اصل ١٥ عضوا اجمالي عدد اعضاء مجلس الامن، وبالتالي هناك تعارض واضح بين عدم السماح للدولة الطرف في النزاع من التصويت وبالمقابل السماح للولايات المتحدة الامريكية بمنع اصدار القرار على الرغم من انها طرف رئيس بالعدوان.
الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش منذ بداية الصراع وهو ينتقد قيام امريكا باستخدام حق النقض لصالح “اسرائيل” ويعلن معارضته لسقوط الضحايا من المدنيين تزامنا مع حملة شنتها الدبلوماسية “الاسرائيلية” عليه وعلى الامم المتحدة ما دفعه الى توجيه رسالة إلى مجلس الأمن الاسبوع الماضي استخدم فيها المادة 99 من ميثاق المنظمة الأممية، التي تتيح له “لفت انتباه” المجلس إلى ملف “يمكن أن يعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر”، في أول تفعيل لهذه المادة منذ عقود، وهو ما أثار حفيظة “إسرائيل”.
وكتب في رسالته أنه “مع القصف المستمر للقوات الإسرائيلية، ومع عدم وجود ملاجئ أو حدّ أدنى للبقاء، أتوقع انهيارا كاملا وشيكا للنظام العام؛ بسبب ظروف تدعو إلى اليأس، الأمر الذي يجعل مستحيلا (تقديم) مساعدة إنسانية، حتى لو كانت محدودة”.
وجدّد دعوته إلى وقف إطلاق نار إنساني لتفادي “تبعات لا رجعة فيها على الفلسطينيين، وعلى السلام والأمن في المنطقة”، ولكن كل هذه المناشدات بالاضافة الى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة لصالح وقف اطلاق النار ذهبت ادراج الخيبة والاهمال.
كافة الحقائق اعلاه تؤكد ان ميثاق الامم المتحدة بكل فصوله ومواده لا يعول عليه ابدا في نصرة فلسطين وقضايا العرب والمسلمين حيث يتم تفعيل فصول الميثاق اذا كان الامر لصالح “اسرائيل” والغرب فيما يتم احباط اي مشروع قرار ويجمدوا ميثاق الامم المتحدة ويصبح عاجزا في حال كان القرار لصالح فلسطين والغرب والامة، لان هناك تلك المادة “اللعينة” “المعطلة” لاي قرار وهي المادة ٢٧ التي تساند غياب الارادة السياسية لدى دول الغرب في انصاف المظلوم وردع الظالم.
ولحين تغيير موازين القوى لتنمكن من تعديل ميثاق الامم المتحدة فان كافة جلسات مجلس الامن ما هي الا وسيلة للتنفيس دون نتائج فهي “مسرحيات” توثق فقط حالة الظلم العالمي الذي يمرر من خلال مجلس الامن ومنظمات الامم المتحدة.

مقالات ذات صلة