رأي فني بمسلسل الروابي

رياض سيف... كاتب وسينارست

تدور أحداث مسلسل مدرسة الروابي للبنات حول عدد من الفتيات في إحدى المدارس الثانوية ، حيث يقوم بعضهن بممارسة التنمر والسخرية من غيرهن من الفتيات الأخريات في نفس المدرسة وذلك بسبب حقدهم وقوتهم المستمدة من نفوذ السلطة التي يمثلها ذويهم ، ومع تمادي هذه الأحداث تبدأ حلقة من الكراهية والانتقام من قبل المتنمر عليهن باستخدام طرق أعنف وأسوأ مما تعرضن له، مما يتسبب في نتائج وخيمة حيث يتم طرد احدى المتنمرات بعد فضيحة مدوية وقتل أحدى الفتيات التي كانت تتزعم حركة التنمر على غيرها مستعينة بمركزها الاجتماعي ونفوذ والدها السلطوي ، وذلك على يد أخوها الأكبر منها بسبب قضية شرف. وهذا العمل من كتابة وتأليف تيما الشوملي وشيرين كمال بالتعاون مع إسلام الشوملي، وإخراج تيما الشوملي، من إنتاج: تيما الشوملي بالتعاون مع شركة فيلمزيون للإنتاج الفني، ومن أبطال المسلسل مجموعة من الفنانات امثال ركين سعد والفنانتين القديرتين نادرة عمران وريم سعادة اضافة الى مجموعه من الفتيات اللواتي يشارك بعضهن لأول مره، اندريا طايع / نور طاهر/ جوانا عريضة / سلسبيلا / يارا مصطفى / وغيرهن. مع ضيوف شرف من ممثلين كبار كعاكف نجم وسهير فهد وغيرهم.

وحول هذا المسلسل انقسم المجتمع الأردني إلى فريقين، الأول يعارض فكرة المسلسل ويرى إنه يحتوي على مشاهد وعبارات خادشه للحياء، ويرفض تشوية صورة الأردن، ويتهم نتفليكس بالتآمر لتقديم صورة سلبية عن المجتمعات العربية، والفريق الثاني متحمس للعمل، ويرى أنه يقدم صورة واقعية لجيل الشباب، وكيف تتعامل الفتيات مع المشكلات التي تواجهن في هذا العصر.

ودافعت مخرجة ومنتجة المسلسل تيما الشوملي عن مشروعها الفني قائلةً في تصريحات صحفية: “المسلسل يتناول هموم النساء من خلال أعين النساء وأقلامهن، معربة عن فخرها بأن العمل الفني الأردني استطاع أن يخرج للعالمية ويترجم إلى عدة لغات”، وأكدت الشوملي أن إنتاج المسلسل كان تحديًا كبيرًا لما يحمله من مسؤولية، فالمسلسل يتناول تحديدًا قضية التنمر، وقالت إن هذه الفئة العمرية من الفتيات بحاجة إلى عمل فني يعبر عنهن.

كل هذا جعلني مهتماً لمشاهدة حلقات المسلسل الست وفي ذهني خلفية مريبة حول ما تابعته من عروض بعض الاعمال التي تمت بموجب تمويل أو دعم أجنبي الغاية منه العمل على تفكيك المجتمعات العربية، وزرع بذور افكار تتنافى مع العادات والتقاليد التي تحكم طبيعة الانسان العربي، بل وتبعده عن موروثه القيمي والاخلاقي والديني الذي يمثل اساس البنية والهوية.

في البدء كنت اتابع حلقات المسلسل بعين الناقد المتصيد، ووجدتني تلقائياً اتابع الحلقات بعين المتفرج المنبهر والمتشوق للوصول الى الهدف الذي قصده الفريق من هذا العمل. والحق اني شعرت بفرح غامر للرسالة التي يقدمها هذا المسلسل بصورة بعيدة كل البعد عن النمطية التي تعودناها في الدراما الأردنية، وأدركت أي جيل جديد هذا القادر أن يحمل الامانة ويطور ادواته لينقلنا الى حدث درامي جديد يقلب الطاولة على القوالب التي حكمت الدراما الاردنية لسنوات عديدة .

ورغم بعض العبارات القليلة الخارجة والتي تم تلفظها باللغة الانجليزية ( ورغم انها تتساوق مع الحدث )، فقد جاء العمل بمجملة لوحة متكاملة، لا إهانة فيه ولا سقوط، بل تصاعداً مشوقاً يؤدي رسالته بكل احترافية وابداع غاب عنا من سنوات طويله رغم العشرات من المسلسلات الاردنية التي شاهدناها اخيراً والتي أفرغت من المضمون، كونها بلا مضمون أصلاً وأساء بعضها لاسمي معاني أثارت المجتمع الاردني واصالته في ما يسمى بوصفة المسلسل البدوي والغجري الذي اتخذ من القتل والنحر والاعتداء بما يتنافى وروح البداوة الاصيلة، بل يتساوق مع افكار داعش بدعوى التشويق والابهار. حتى الحديث منها فهو ثرثرة فارغة بلا هدف او رسالة.

اذن نحن هنا أمام تجربة جديدة ونقلة نوعية على الدراما الاردنية أن تستفيد منها، وعلينا نحن من حملنا جزءاً من الراية أن نتعلم منها الكثير ولا نخجل أن نتعلم ما دمنا قادرين على التعلم حتى من جيل جديد نتمنى أن يكون عنوان المستقبل لدراما اردنية متميزة.

وعودة الى مسلسل مدرسة الروابي وما طرح فيه من أفكار . أؤكد أن ما طرح في هذا المسلسل ذو الحلقات الست يعادل ما طرح في عدة مسلسلات بحلقاتها الثلاثين، وبتركيز أكثر ووعي اشد.

فقد ناقش المسلسل عدة قضايا مهمة وخطيرة اهمها :

– المدارس الخاصة ومصالحها التي تتعارض مع حماية حقوق الطالب ونفسيته بالتغاضي عن هفوات ابناء ذوي السلطة ضد الاضعف منهم.

– التنمر من خلال استخدام السلطة وما يتركه من حالات نفسيه على المتنمر عليه مما يؤدي الى القهر ومن ثم الى رد الفعل المضاد بالعنف والانتقام . حيث يصبح المتنمر عليه متنمرا بطريقة اسوأ من المتنمر عليه وبطرق داعشية خفية مدمرة.

– حجة حرية التعبير والاستعمال الخاطئ لها.

– دور الانترنت في حرب الانتقام والتفريق بين الصديقات للانفراد بهن. وهو الدور الذي تعمد اليه الدول الامبريالية لعزل الفرد عن مجتمعه وعدم الاهتمام بقضاياه الجمعية.

– النت ودوره في الفضيحة بالنسبة للبنت وخاصة في العلاقات المشبوهة واستغلال البعض لنقطة الضعف لدى البنت وعلى رأي المدرسة عبير (هاظا اللي بصير مع البنت لما بتتخلى عن قيمها وتقاليدها وهاظا اللي اجانا من النت والسوشال ميديا ).

– ابراز دور التوعية الدينية لبعض القضايا الحساسة من خلال الاستعانة بواعظة مرشدة (يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خير منهن ..الخ )

– التعرض للتحرش واسبابه ومنه اللبس الفاضح للفتاة.

– المسلسل يكشف العالم الخفي عن فئات المجتمع العادي، والحفلات الغريبة عن المجتمع.

– لكل فعل رد فعل وعلى رأي المتنمر عليها والتي تحولت الى كتلة من الانتقام المدمر ( جرح الجسد بروح بس جرح النفس عمرو ما بروح).

– يعلمنا المسلسل انه لا يوجد شرير كامل لابد من احساس انساني في داخل الشرير يؤدي به الى تغليب انسانيته.

كل هذه المعاني والافكار تم طرحها عبر حبكة متمكنة مشوقة، وحوار سلس

وكانت الصورة خير معبر عن كل الاحاسيس والمشاعر الداخلية لجميع من هم بالعمل، وما يأسر أكثر هو التكوينات واللقطات التي لم تدخر وسعاً في تبيان جمال المكان والمواقع التي ينعم بها الاردن من جماليات خلابة تترك في النفس ارتياحاً لكل مشهد من مشاهد المسلسل .

ويبقى مسلسل مدرسة روابي علامة فارقة في مسيرة الدراما الاردنية متمنين أن يبنى عليه في اعمال لاحقة، لكسر طوق الجمود الصفصفة التي صاحبت المسلسل الاردني في سنواته الأخيرة.

مقالات ذات صلة