في عزل السلطة الفلسطينية وقيادتها

حيان جابر

حرير- تمضي السلطة الفلسطينية في مسارها الاستسلامي، من دون أن تبدي أي مؤشّر على التقائها مع المقاومة الشعبية الصاعدة في فلسطين، رغم كل الإجرام والمجازر الصهيونية التي يرتكبها جيش الاحتلال ومستوطنوه بحق شعب فلسطين، والتي بلغت حداً غير مسبوقٍ أخيراً، في كلّ من الضفة الغربية؛ بما فيها القدس، والأسرى في سجون الاحتلال، كما في قطاع غزّة المحاصر صهيونياً، فضلاً عن اللاجئين الفلسطينيين، الذين يعمل الاحتلال على تجريدهم من حق العودة.

إذ توحي التقارير الإعلامية والتطورات الميدانية بأنّ السلطة ماضية في تنسيقها الأمني مع الاحتلال، رغم إعلانها تعليقه قبل أسابيع عدة، وهذا متوقعٌ في ظلّ سلطة وظيفية مهمتها حماية الاحتلال، ونظراً إلى بنيتها المصمّمة على أداء هذه الوظيفة فقط. كذلك ساهمت السلطة؛ بإرادتها، في سحب مشروع قرارٍ يدين خطط استيطان الاحتلال في الضفة الغربية، كان من المزمع طرحه في مجلس الأمن بالتعاون مع الإمارات، كما شاركت السلطة في اجتماع العقبة الأمني؛ والذي يراه رئيس الهيئة الفلسطينية العامة للشؤون المدنية، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، اجتماعاً سياسياً وأمنياً، متجاهلة التصعيد الإجرامي الصهيوني المتواصل.

وتحدّثت تقارير إعلامية عدة عن خطة أمنية أميركية جديدة، أعدها الجنرال والمنسق الأمني الأميركي، مايكل فينزل، عرفت بخطة فينزل، تتضمّن إشرافاً أميركياً على تدريب قوات أمن السلطة؛ قرابة 5000 عنصر، في الأردن، بغرض استعادة سيطرة السلطة على الضفة الغربية، تحديداً جنين ونابلس، والقضاء على المقاومة الناشئة فيهما، كما تنص الخطة، وفق التقارير الإعلامية، على تقليص نشاط (اعتداءات) جيش الاحتلال تحت إشرافٍ أميركي، بغرض السماح لأجهزة السلطة الأمنية بالعمل في المنطقة، إضافة إلى وقف محاولات السلطة إقناع المقاومين بتسليم أسلحتهم، والبقاء تحت إشراف السلطة بضعة أشهرٍ حتى تسوية أوضاعهم مع “الشاباك”.

نجد تشابهاً كبيراً بين خطة فينزل المسرّبة وخطة دايتون في عام 2005، في ما يتعلق بالمضمون والخطوات والأهداف، فقد كانت الأخيرة جزءاً مهماً من الترتيبات الأميركية الساعية إلى حماية الاحتلال وضمان أمنه بعد الانتفاضة الثانية، عبر إشرافٍ أميركي على تدريب عناصر الأمن الفلسطيني، في الأردن أيضاً، كما أدّت تلك الخطة التي وضعها الجنرال الأميركي، كيث دايتون، إلى تعزيز دور السلطة الأمني في حماية الاحتلال بالشكل الملحوظ اليوم، كما يعتبرها كثيرون سبباً رئيسياً في سيطرة الاحتلال على الضفة أمنياً، وتقويض مقاومة الضفة السلمية والعنيفة، إلى جانب دور الإجراءات الصهيونية الأخرى، مثل تحويل الضفة إلى كانتوناتٍ معزولة، عبر جدار الفصل العنصري والمستوطنات والحواجز.

بين الخطتين سنواتٌ كثيرة وتشابهاتٌ عديدة، لكنْ هناك اختلافان جوهريان وحاسمان. يتعلق الأول بالتوقيت، إذ طرحت خطة دايتون بعد مضي خمس سنوات على الانتفاضة الثانية، أي في مرحلة خفوتها، في حين تشهد المدن الفلسطينية اليوم طوراً نضالياً صاعداً؛ لم يبلغ ذروته بعد، إذ تعدها غالبية التقديرات الأمنية والسياسية مقدّماتٍ أولى لانتفاضة فلسطينية ثالثة، سوف تشمل مجمل مدن فلسطين على طرفي الخط الأخضر. ويتعلق الاختلاف الثاني بالسلطة الفلسطينية ذاتها، التي كانت تحظى بشعبية معتبرة في الـ 2005، نتيجة اعتباراتٍ عديدة، منها التعلّق بسراب إقامة دولة فلسطين المستقلة، تحت رعاية أميركية وأوروبية، وبموافقة صهيونية، وبحكم مشاركة أجهزة أمن السلطة في الانتفاضة الثانية، ونتيجة دور كتائب شهداء الأقصى، التابعة لحركة فتح، المحوري في الانتفاضة، إضافة إلى دور قياداتٍ فتحاوية عديدة في حيثيات الانتفاضة وفاعليتها، من أبرزهم الأسير مروان البرغوثي، وأخيراً نتيجة رمزية الرئيس ياسر عرفات قبل وفاته وبعدها، ورغم أخطائه الكارثية وربما المدمّرة. في حين خسرت السلطة اليوم غالبية شعبيتها داخل فلسطين وخارجها، بل خسرتها أيضاً في أوساطٍ واسعة داخل حركة فتح نفسها.

يؤشّر كل من الاختلافين إلى فشل خطة فينزل اليوم، إذ لا تملك السلطة رصيداً شعبياً يمكّنها من فرض سيطرتها الأمنية، التي تتطلب مواجهة التشكيلات العسكرية الجديدة، مثل كتيبة جنين وعرين الأسود، فضلاً عن منحى المقاومة الشعبية الصاعد في كل فلسطين، بل حتى داخل السجون الصهيونية. وعلى الرغم من هذه التقديرات، قد تساهم الخطة في ازدياد السخط الشعبي تجاه السلطة وأجهزتها الأمنية وقيادتها، كما سوف تؤدّي إلى مواجهة فلسطينية – فلسطينية، بين تشكيلاتٍ مقاومة صاعدة مدعومة من قطاعاتٍ شعبية عريضة وواسعة من جهة، وأجهزة أمن السلطة بإشرافٍ أميركي، وربما بدعمٍ صهيوني من جهة ثانية.

قد تكون المواجهة حتمية حينها، كونها فرضت على القطاعات الشعبية الداعمة لاستعادة مسار النضال التحرّري، لكنها تخدم الاحتلال الصهيوني أيضاً، لأنها تستنزف الطاقات والجهود النضالية، كما تستنزف الكتلة الشعبية الفلسطينية، وربما تؤدّي إلى انقسامها بين مؤيدٍ ومعارضٍ، لذا على المعنيين بالمشروع التحرّري، فصائل وأفرادا، العمل على تجنّب هذه المواجهة، بما يضمن حماية الخط النضالي التحرّري الصاعد في فلسطين، من خلال العمل على عزل السلطة الوظيفية منذ الآن، قبل بدء تنفيذ خطة فينزل أو غيرها من الخطط الأمنية الأميركية المحتمل طرحها مستقبلاً، لأن إصلاح السلطة وتغيير بنيتها الأمنية ودورها الوظيفي أمرٌ مستحيلٌ في ظل تبعية السلطة المطلقة.

يتطلب ذلك عزل قيادات السلطة فلسطينياً أولاً، ونزع الغطاء السياسي عنها، داخل منظمة التحرير وخارجها، نظراً إلى تحكّمها الكامل بهيئات المنظمة والسلطة ومجالسهما ومؤسساتهما، عبر انسحاباتٍ جماعية من جميع الهيئات والمؤسسات والأطر المنضوية أو حتى المتعاملة مع كلا الجسمين؛ السلطة والمنظمة، وهو أمرٌ لن يمسّ حياة المواطن الفلسطيني بشيء، إذ تراجع تأثير كلا الجسمين على حياة الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، باستثناء العاملين في كل منهما. يتبع ذلك مقاطعة الاجتماعات مع قيادة السلطة والمنظمة والمستمرّين في المشاركة في كلا الجسمين، حتى تنصاع السلطة؛ المهيمنة على المنظمة، إلى إرادة الكتلة الشعبية الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، وتَحلّ أجهزة السلطة الأمنية مكتفية بأجهزة الشرطة فقط، وتتحوّل السلطة من جسمٍ سياسي يدّعي تمثيل الفلسطينيين إلى إدارة محلية تيسر شؤون المدن والبلدات الفلسطينية وتديرها فقط.

قد يطول تعنّت السلطة وقيادتها، في ظل اتكائها على الدعم الخارجي المالي والسياسي، حينها قد نضطر إلى العمل على عزل السلطة الوظيفية؛ أي الكيان الاعتباري كاملاً، إقليمياً ودولياً، في خطواتٍ تصاعدية عديدة شعبية ومؤسّسية، إذ إن مسار عزل السلطة هو الأسلم فلسطينياً، بل يمكن القول إنه الخيار الأفضل، الذي قد ينجح في إنهاء دور السلطة الوظيفي والأمني، ويقوّض هيمنتها القسرية على المجال السياسي الفلسطيني، كما قد يجنّبنا صداماً فلسطينياً دموياً محتملاً، بل قد يكون حتمياً مستقبلاً.

مقالات ذات صلة