خـيـبـة المجتمـع اســوأ! …حسين الرواشدة

فيما مضى كنا نسأل: كيف سقطت الحكومات- مثلا-  في امتحان الشفافية والعدالة و”النزاهة”؟ اما الآن فقد صار بوسعنا ان نتساءل بمرارة: كيف سقطت مجتمعاتنا في امتحان “النزاهة” والنظافة وفي امتحان “الاقتراع” الحر والارادة الحرة والتنافس البعيد عن العصبيات والمصالح الضيقة؟ هل المشكلة في “الناس” ام في بعض النخب والموظفين، في “القانون” والمراسيم ام في “التقاليد” والمفاهيم، في النفوس ام في الفلوس، في المناخات العامة التي افرزت هذه الاشكاليات ام في المقررات التي سمحت بها وغضت الطرف احيانا عنها؟

“مشكلتنا” مع الحكومات مهما كانت اخطاؤها اهون بكثير من “مشكلتنا” مع المجتمعات، يمكن ان ننتقد الحكومات وان نعارض سياساتها لكن ماذا لو اخطأت المجتمعات او ضعفت وتراجعت؟ ماذا لو انحدرت في سلوكياتها واخلاقها؟ ماذا لو تحول “نخبها” الى موظفين او متفرجين؟ هل يمكن ان نطالب بترحيل المجتمعات واستبدالها؟ هل تجدي الانتقادات في اصلاحها؟ هل تستطيع السياسة -وحدها – ان تصوّب مسارها؟ ام ان المشكلة اكبر مما نتصور واخطر؟

اعتقد اننا لم نملك الشجاعة -بعد – للاعتراف بان الامراض التي تعاني منها مجتمعاتنا قد استفحلت واوشكت ان تصبح مزمنة، وبأننا نعاني من تحولات قيمية وانكسارات اخلاقية، لم تفلح الحلول السياسية والاقتصادية ولا حتى الدينية في مواجهتها، واذا كانت الانتخابات البرلمانية الاخيرة قد كشفت جوانب “مفزعة” منها، فان ذلك لا يعني انها اعراض طارئة او متعلقة “بموسم” تشتبك فيه اصوات الناس في الصناديق وفي الحسابات فقط، فهي موجودة ومتغلغلة في دواخلنا.. والانتخابات او غيرها من الموسم ليست اكثر من دالات “كاشفة” عليها تضيئها وتخرجها الى السطح او تفتح “قروحها” فتسيل وتفرز ما نراه ونسمع عنه.
ابسط ما يمكن ان نفعله هو ان نتوجه الى الحكومات بالنقد والى السياسات بالادانة والرفض، لكن المشكلة -كما اعتقد – ابعد من ذلك، فالمجتمعات هي المسؤولة -اولا – عن هذا التدهور الذي اصابنا، خذ مثلا :  مؤسساتنا الثقافية والدينية هي “الغائبة” الابرز عن معالجة امراضنا، ومراصدنا الاجتماعية التي استقالت من وظيفتها هي المعنية بالبحث عن اسباب ازماتنا السلوكية.. واذا كانت حكوماتنا قد اخطأت احيانا او اخطأ بعض موظفيها، فان مجتمعنا بما يشتمل عليه من نخب واحزاب وقوة سياسية واجتماعية ومواطنين بسطاء قد اخطأ -ايضا -.
لا تسألني: كيف؟ او لماذا؟ او اين تكمن “المشكلة؟ ولا تقل ان ما يطفو على المجتمع من افرازات هو نتاج افعال السياسة او حصاد خيبات الاقتصاد.. اعتقد ان المسألة تحتاج الى ابعد مما يمكن ان تختزله هذه التساؤلات او ما يطرح على هامشها من اجابات. فخيبة المجتمع في نفسه هنا اسوأ واخطر.

مقالات ذات صلة