النواب و”سلق” التشريعات!…ماجد توبة

لا يمكن توصيف إقرار مجلس النواب يوم أمس، لمشروع قانون الإعسار للعام الحالي، في أقل من ساعتين، سوى بـ”السلق” لتشريع اقتصادي وحقوقي مهم كهذا القانون الجديد، الذي يضم 140 مادة، ربما احتاجت كل مادة فيه الى توقف ومناقشة طويلة للخروج بتشريع يؤدي الغرض منه، خاصة وأن هذا القانون متعلق بالاستثمار والاقتصاد، ومن المفترض تجويده وضمان استقراره لأطول فترة ممكنة.
وتعيد هذه السرعة وعدم التعمق بمناقشة وإقرار هذا المشروع المهم إلى الواجهة أكثر من مشكلة متداخلة، من السرعة في إقرار التشريعات وعدم منحها حقها بالمناقشة والتمحيص اللغوي والقانوني والفني في العديد من الأحيان تحت القبة، وعدم إيلاء العديد من النواب الجانب التشريعي الاهتمام الحقيقي الذي يستحقه.

في البال العديد من القوانين التي أقرت في مجالس النواب، واضطرت المجالس والحكومات ذاتها إلى العودة الى فتحها وإعادة تعديلها مرة أخرى خلال أشهر أو سنوات قليلة، لتدارك نواقص أو عيوب قانونية أو فنية، أو لترتيب تداخل هذا التشريع في التطبيق العملي مع أحكام تشريعات أخرى، وهي القضية التي تضرب مفهوم استقرار التشريع وضرورة ضمان هذا الاستقرار وما يرتبه من أحكام وحقوق.

جانب آخر لهذه المشكلة، له علاقة بالشكوى الدائمة من تسرب وتهريب النصاب من خلال جلسات النواب، وهي شكوى تكاد تكون هاجسا لرئيس المجلس المهندس عاطف الطراونة ومن سبقه في الرئاسة. هذه المشكلة تعكس على صعيد التشريع عدم اهتمام بعض النواب بدورهم التشريعي وعدم منحه ما يستحقه من وقت ودراسة ومناقشة.
المراقب لجلسات النواب التشريعية، ليس في هذا المجلس فقط، بل أغلب المجالس السابقة أيضا، يلحظ أن النواب النشيطين مناقشة وآراء ومداخلات خلال إقرار التشريعات على اختلافها هم قليلو العدد وقد لا يتجاوز هذا العدد 20 نائبا، ما يعيدنا إلى المربع الأول ومشكلة قانون الانتخاب ونظامه الانتخابي، الذي يعطي للأبعاد العشائرية والمناطقية والفردية الدور الأساس بانتخاب النائب، على حساب الكفاءة السياسية والقانونية وعلى حساب البرامجية.
نقر بأن المطبخ الأساسي لمناقشة وإقرار التشريعات يجب أن يكون في اللجان الدائمة والمختصة في مجلس النواب، لكن ذلك يجب أن يرتبط أيضا بضرورة توفير الإمكانات والخبرات والدراسات لهذه اللجان، وأيضا عدم تغيب أعضاء اللجان عن اجتماعاتها، إضافة الى ضرورة إعطاء كل تشريع حقه من المناقشة والدراسة والاستشارة. في موضوع مشروع قانون الإعسار الذي يضم 140 مادة وأقر بساعتين أمس تحت القبة، أخذ المشروع ثلاث جلسات فقط من اللجنة المشتركة؛ القانونية والاقتصادية الاستثمارية، رغم أن القانون جديد ومتخصص فنيا وزخم بمواده.
ثمة مفارقة على هذا الصعيد أيضا، تتمثل في أن أغلب النواب الذين يغيبون عن المناقشات والمداخلات، وربما حتى قراءة المواد، عند إقرار التشريعات والقوانين، يحرصون أشد الحرص على إلقاء كلمات منفردة عن كتلهم خلال مناقشات الثقة بالحكومات وعند مناقشة خطاب الموازنة العامة للدولة. لا أحد يمانع بذلك، بل قد يكون مطلوبا من أغلب النواب ممارسة دورهم الحقيقي والفاعل في الرقابة العامة على الحكومة وسياساتها، لكن الدور الفاعل مطلوب أيضا من النائب في الدور التشريعي، والذي لا يقل أهمية عن الدور الرقابي. هي فرصة لدعوة السادة النواب ومجلسهم الموقر للتوقف عن “سلق” التشريعات والقوانين وضرورة منحها حقها من المناقشة والدراسة. وهم مطالبون أيضا بالتوقف وحل مشكلة تهريب النصاب والتسرب من الجلسات التشريعية ووقف هذا المسلسل الطويل.

مقالات ذات صلة