عن المهرّج الصهيوني سموتريتش وأوهامه الخائبة

جورج كعدي

حرير- يحلم المهرّج الهزيل سموتريتش بأن يكون بطل “محرقة ” فلسطينيّة يشتهيها على الطريقة النازيّة، مع رهط من عصابات المستوطنين. المدعوّة (والمدّعاة) “إسرائيل” ولّادة “ملوك” يُشبهون الملك أوجين يونسكو المتهالك في “الملك يموت” أو في “أوبو ملكاً” (برأس حصان) لألفرد غاري. بالأمس القريب، سقط “الملك بيبي”، وقبله كلّ “أشباه الملوك وليسوا ملوكاً”، ولا يُستثنى أحد منهم. كان هؤلاء جميعاً ملوكاً زائفين لكيان مخترَع، إلّا أنّهم تحلّوا بـ”موهبة” القتل وارتكاب المجازر من دون “تهريج” على الأقلّ. لاحظوا أنّنا دخلنا اليوم زمن “المهرّجين” الإسرائيليين أمثال هذا الفتى الأرعن بتسلئيل سموتريتش، والأرعن منه والألعن، إيتمار بن غفير. هَزُلَت. ومع ذلك، يريحنا أن نماذج كهذه تعجّل في نهاية الكيان الخرافيّ المصطنع الذي لا حقيقة له ولا وجه سوى دمويّته وإجرامه اليوميّ وسعوره الملتهب دائم الاشتعال.

سموتريتش هذا، في نظرة خاصة، ومن زاوية مختلفة، “مهرّج” مذعور، خائف ضمناً، ويخفي خوفه بالمواقف الجنونيّة عالية السقف. وهو “سايكوباتيّ” مضطرب نفسيّاً، لا تتسع الدنيا كلّها لجنونه وهذيانه الإجراميّ: يريد أن يحرق، ويقتل، ويُبيد، ويُرحّل، ويحتلّ كامل الضفّة الغربية والجزء الأكبر من الأردن وأجزاء من سورية ولبنان… لا حدود لطموحاته الواهمة كي يدرك مرتبة “الملكيّة” إن لم يكن “الألوهة”! ومن يدري، لعلّه يخال نفسه بعقله المريض أنّه “الماشيح” اليهوديّ المنتظر، أو يرى في نفسه “المخلّص” الأوحد الآن لـ”شعبه” على طريقة موسى أو يشوع بن نون (المثال الأعلى لبن غوريون!). هو مصابٌ كأسلافه وأقرانه بمرض العُظام (الميغالومانيا) الشائع تحت تسمية جنون العظمة. أليست عقيدة “شعب الله” و”الغوييم” (سائر الأغيار من غير اليهود) أسطع دليل على المنبع التوراتيّ الخرافيّ لهذا المرض الاضطرابيّ الجنونيّ؟

الدليل على ذعر سموتريتش كلامه عن خطر وجوديّ يتهدّد “إسرائيل”. هذا ليس هاجسه وحده، بل هاجس كلّ صهيونيّ ، سواء في موقع المسؤولية والقيادة أو في صفوف فئاتٍ واسعةٍ من عصابات الشعب المحتلّ. لكنّ حركة سموتريتش التي تفيض ذعراً وخوفاً وتوتّراً تشير في يقيني إلى ضعف، لا إلى قوّة. كان مجرمو الكيان الكبار، وبنسبٍ متفاوتة، هادئي الأعصاب، يقتلون بدمٍ باردٍ وبلا كثير استعراض (باستثناء باراك وشارون، وإلى حدّ ما الساقط عن عرشه “بيبي” نتنياهو، آخر “ملوك إسرائيل” على الأرجح).

يخالُ هذا “المهرّج” الهزيل المهين لفنّ التهريج الراقي (أعتذر إلى المهرّجين المبدعين إذْ أستعير لقبهم الفنيّ المُبهج لقاتلٍ بالتسلسل) أنّه يتوهّم تنفيذ ما تبقّى من حلم “إسرائيل الكبرى”، المشروع الآيل حتماً إلى الفشل المدوّي، والذي أفصح عنه حديثاً “الخبير الاستراتيجيّ” الصهيونيّ روني بن يشاي مضيئاً على حقيقة “التعديلات القضائية” التي ألهبت مجتمع الاحتلال في الأيام الأخيرة، قائلاً إنّه “بصرف النظر عن أهدافه المعلنة، يهدف هذا التعديل سرّاً إلى وضع أساس قانونيّ يخدم عمليتين سياسيتين قد تغيّران وجه إسرائيل وطرائق حياة الإسرائيليين على نحو لا رجعة عنه”. وبحسب بن يشاي هذا “تهدف التعديلات القانونية إلى ضمّ كامل المنطقة بين الأردن والبحر المتوسط من غير فلسطينيي الضفة الغربيّة”، مشيراً إلى أنّه “يمكن الاطلاع على تفاصيل هذا المخطّط في {خطة الحسم}، وهي وثيقة صيغت قبل خمس سنوات بوضوح على يد سموتريتش”. والهدف الآخر، بحسب بن يشاي، “الاستمرار، من خلال التشريعات الأساسيّة، في تقسيم الإسرائيليين إلى ثلاثة قطاعات، ويقود هذا المخطط رئيس اللجنة المالية، عضو الكنيست، موشيه عافني من حزب يهدوت هتوراه”، كاشفاً أنّ الإشارات التي تدلّ على نية شركاء الليكود السياسيين للشروع في العمل بالمخطِّطَين اللذين يحوّلان إسرائيل، واقعاً، إلى دولة فصل عنصريّ موجودة في بنود اتفاقية الائتلاف”. وتبعاً له وعلى سبيل المثال، فإنّ “التوجّه هو منح المحاكم الحاخاميّة (تحكم وفقاً للقانون اليهوديّ) سلطاتٍ قضائيّة مماثلة تقريباً للتي تتمتّع بها المحاكم المدنية التي تحكم وفقاً للقوانين التي يضعها الكنيست. ولو تحقّقت رغبات غافني، ستكون المحاكم الحاخاميّة قادرةً على الحكم وفق الشريعة اليهوديّة أيضاً في الأمور المدنية والاقتصادية العادية”.

يضيف بن يشاي: “سيتمّ في البداية ترويج فكرة أن يكون المواطن قادراً على اختيار النظام القانوني الملائم له، بيد أنّها خطوة نحو دولة {الهالاخا} اليهودية بدلاً من إسرائيل العلمانية. ولأنّ محكمة العدل العليا تتمتّع حالياً بصلاحية إبطال القوانين الأساسية والأقسام غير الملائمة في الموازنة وقد لا تسمح بتنفيذ المخطّط، فإنّ ثمة اهتماماً بمحاصرة صلاحياتها”. لكنّ الأهمّ والأخطر، بحسب بن شاي، هي “خطة الحسم” التي نُشرت في سبتمبر/ أيلول 2017 في مجلة “شيلوح” التي تنشر مقالات بحثية وفكرية متعمّقة حول مواضيع متعلّقة باليمين الأكاديميّ والسياسيّ، وكان عنوان الخطة {خطة الحسم: مفتاح السلام موجود في اليمين}. ويزعم سموتريتش (دائماً بحسب بن يشاي) في خطّته أن الفلسطينيين ليسوا مستعدّين ولن يكونوا كذلك تحت أيّ ظرف، للموافقة على {أن يمارس اليهود حقّهم في تقرير المصير بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط}. لذا يرى أنّ كل الخطوط العريضة للحل القائم على التنازلات قد باءت بالفشل”. أمّا جوهر “خطّة الحسم” التي أعدّها “العبقريّ” النادر سموتريتش فهو: “بعد أن تثبّت إسرائيل الحقائق على الأرض بضمّ كل المناطق، سيكون للفلسطينيين خيار بين أحد البدائل الثلاثة: الأول، البقاء في الضفة والعيش تحت الحكم والسيادة الإسرائيليين في جيوب عديدة مثل مناطق الخليل وبيت لحم ورام الله ونابلس وجنين، ولن يكون الفلسطينيون فيها مواطنين إسرائيليين، بل يملكون تصريح إقامة (يشبه إلى حدّ ما الوضع القانوني للمقدسيين)، شرط عدم إظهار المقاومة، والتعاون أيضاً. الثاني: الفلسطينيون الذين لا يريدون العيش تحت الحكم الإسرائيلي يهاجرون طوعاً، على أن تشجّعهم إسرائيل على ذلك بمنح مالية. والبديل الثالث الذي “قدّمه” (يا للسخاء!) سموتريتش، إن لم يوافق الفلسطينيون على البديلين الأولين: إعطاء توجيه لا لبس فيه للجيش بقتل الذين يجب قتلهم، وجمع الأسلحة، وإنهاء كل مظاهر الرفض في وقت قياسيّ”.

يتابع “الشاهد من أهله” بن يشاي: “المفتاح لفهم الفقرة السابقة موجود في عبارة {إعطاء توجيه لا لبس فيه}، ما يعني أنّ الحكومة ستوجّه الجيش نحو استخدام القوة المفرطة وبلا قيود. أما الذين قد يرفضون استخدام مختلف أشكال القوة، من منطلقات متنوّعة، فإنّ سموتريتش يطمئنهم ببيان حازم مفاده أنّ أخلاقيّات العمل تُقاس بالنتيجة التي يحقّقها. أي أنّ الوحشية والقسوة تعتبران أخلاقيتين وعادلتين إذا حققتا النتيجة المرجوّة، ولذلك لا يولي اعتباراتٍ كهذه اهتماماً كبيراً مثل: هل يمكننا النظر في المرآة؟ وكيف سيكون ردّ فعل العالم؟”. ويلفت بن يشاي إلى أنّه “لفهم ما يحدث هذه الأيام في وزارتي الدفاع والمالية التي لسموتريتش موقعه فيهما، ينبغي قراءة المرحلة الأولى من خطته تحت عنوان {قرار التسوية}، ففي هذه المرحلة ينوي إغراق مناطق الضفة بالمستوطنات والمستوطنين اليهود. وعندما يحصل ذلك يجب أن يدرك الفلسطينيون أن لا فرصة لديهم بالحصول على دولتهم الخاصة، وسيكون عليهم اختيار أحد البدائل الثلاثة: حياة القهر في ظلّ الحكم الإسرائيلي أو الهجرة أو القتل. ولهذا السبب، طالب سموتريتش وحصل في مفاوضات الائتلاف على صلاحيات واسعة في ملف الاستيطان والإدارة المدنية في الجيش. ومن أجل هذه الخطة، يسعى أيضاً إلى إبعاد المحكمة العليا من طريقه، من خلال التعديلات القانونية”.

حتّى الولايات المتحدة، راعية الربيبة “إسرائيل”، وفرنسا الداعمة، والاتحاد الأوروبيّ، لم يتحمّلوا تصريحات سموتريتش ومواقفه العنصريّة ونفيه “وجود شعب فلسطيني”! ليس من منطلق أخلاقيّ أو إنسانيّ أو مبدئيّ، بل خوفاً من أن تفضي مواقف كهذه إلى تهديد الكيان الحبيب. إنّه خوف العاشق على المعشوق. ففي الولايات المتحدّة، التي أُسقطت زيارة سموتريتش لها، التزمت 70 مجموعة يهوديّة أميركية عدم استضافته، على ما جرت العادة، وأصدر 120 من قادة هذه المجموعات بياناً مشتركاً يفيد بأنّه ممنوع على هذا الزائر غير المرغوب فيه التعبير أمام الطائفة اليهودية الأميركية عن أفكاره، وبأنّ حضوره يتعارض مع “القيم اليهودية الأميركية”، بحسب البيان. فاليهود الأميركيون هم غالباً أكثر ليبراليّة سياسيّاً ودينيّاً. أمّا في فرنسا فدانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونّا تصريحات سموتريتش الذي كان أعلن عن مشروعه وخطّته الواهمة عن “إسرائيل الكبرى” من باريس، حيث كان مدعوّاً من جمعية “إسرائيل إلى الأبد” (Israel is forever) الناشطة والناشئة بين الولايات المتحدة وفرنسا. وبعد 48 ساعة من الصمت الرسمي الفرنسي، دانت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية تصريحات سموتريتش، ووصفتها بـ”غير اللائقة وغير المسؤولة” (تعبير ملطّف ينطوي على نوع عتاب الأهل الحريصين على أبنائهم!). وتبعت مواقف كثيرة من سياسيين فرنسيين اتهموا الزائر المستفزّ بأنّ آراءه “غير محترمة، خطيرة وغير مثمرة في وضع متوتّر أصلاً”. كما صرّح الممثل الأعلى للقضايا الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي دعا نتنياهو إلى إدانةٍ شكليّةٍ لوزيره. مواقف مقبولة نسبيّاً، لكنّها تنطوي على خوف على الكيان أكثر ممّا هي مبدئية أو حريصة على الفلسطينيين، والبرهان أننا لا نسمع مواقف مماثلة حيال المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال المجرم.

يريد هذا المجنون الهاذي، وبحسب قوله، أن “يدير” دولة اليهود مثلما أدارها الملكان داود وسليمان، ما يؤكّد تصوّره ذاته بأنّه “ملك إسرائيل الجديد”، مستوحياً أفكار موشي بن ميمون، الفيلسوف اليهودي الذي عاش في القرن الثاني عشر بين الأندلس (حيث ولد) ومصر، والذي تحدّث قبل نحو ألف سنة من ولادة “إسرائيل” عن كيفيّة التعامل مع غير اليهود (الأغيار) على أرض فلسطين. يستلهم سموتريتش هذا جميع الأفكار المتطرّفة من الإرث اليهوديّ، بدءاً بموسى ويشوع بن نون، بلوغاً إلى جابوتنسكي، مروراً ببن ميمون وسائر منابع الفكر التوراتيّ المتطرّف، خصوصا في كيان قائم على العقيدة التوراتيّة – التلموديّة المتعالية والدمويّة.

ردّاً على ترّهات سموتريتش البلا قيمة وبلا إسناد تاريخيّ عن “عدم وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني” يمكن إحالته على مفكّرين وأكاديميين يهود كبار، بعضهم مقيم في الكيان وبعضهم تركه وهجره (مثل إيلان بابيه وجلعاد عشمون وآخرين)، فهل هو، كجاهل، أكثر علماً وصدقيّة من أمثال زئيف هرتسوغ الذي كتب في دراسته “التوراة: لا إثباتات على الأرض” (نشرتها صحيفة هآرتس في 18/ 11 / 1999)، وفيها: “بعد سبعين سنة من الحفريّات الكثيفة في أرض إسرائيل، خلص علماء الآثار إلى نتيجة مرعبة. لم يكن هناك شيء على الإطلاق، فحكايات الآباء مجرّد أساطير. لم نعبر من مصر، ولم نخرج من هناك، ولم نحتلّ فلسطين، ولا ذكر لإمبراطورية داود وسليمان”. وبالنسبة إلى العلماء والباحثين والمؤرّخين فإنّ “شعب إسرائيل لم يقم في مصر، ولم يته في الصحراء، ولم يحتلّ الأرض من خلال حملة عسكرية، ولم يستوطنها من خلال أسباطه الاثني عشر (…) والحقيقة الأوضح من ذلك أنّ “مملكة داود وسليمان التي وصفتها التوراة بأنها دولة إقليمية عظمى كانت في أقصى الأحوال مملكة قبليّة صغيرة (…)”. هل نحيله أيضاً على المؤرّخ الإغريقيّ الكبير هيرودوت وما كتبه عن فلسطين: “يسكن البلاد الممتّدة من أرض الفينيقيين إلى حدود كاديتس (غزة) السوريون الذين يسمّون الفلسطينيين (…)”، أم نردّ سموتريتش إلى أستاذ التاريخ والأكاديمي، شلومو ساند، المحاضر في جامعات إسرائيلية وصاحب المؤلّفات القيّمة والصادمة، والتي لعلّ أبرز عناوينها مؤلّفه المشهور “اختراع الشعب اليهودي” الذي ينفي فيه ما يُعرف بالشتات اليهودي الذي تقف وراءه فكرة طرد الرومان لليهود سنة 70 للميلاد بعد تدمير الهيكل، قائلاً: “لن نجد في التوثيق الرومانيّ الغنيّ ولو إشارة واحدة إلى حصول أي عملية نفي من أرض يهودا”. أمّا آرثر كوستلر فكتب تحت عنوان “القبيلة الثالثة عشرة” أنّ “غالبية اليهود المعاصرين ليسوا من أصل فلسطيني بل من أصل قوقازيّ”، وأنّ “التيار الأساسيّ للهجرات اليهودية لم يتدفّق من البحر المتوسط عبر فرنسا وألمانيا إلى الشرق ثم العودة، بل اتجه هذا التيار بشكل ثابت إلى الغرب من القوقاز عبر أوكرانيا إلى بولندا، ومن هناك إلى أوروبا الوسطى (…) ما تجمّع من البراهين يجعل المرء ميّالاً إلى الاتفاق مع مجمل المؤرّخين البولنديين على أنّ الكتلة الأساسية من اليهود نشأت أصلاً من بلاد الخزر”.

مع ذلك، نحن وجميع هؤلاء المؤرّخين والمفكّرين والأكاديميين الكبار والمبرّزين نحاجج شخصاً جاهلاً، ومحاجَجة الجاهل أصعب بكثير من محاجَجة العالم، بل مستحيلة، خصوصا إذا كان الجاهل شخصية موتورة، مضطربة، متمسّكة بالخرافة الدينية لتبرير تعصبها وإجرامها وأوهامها وأحلامها المستحيلة. فليت هذا الحالم الخائب، المدعو سموتريتش، يتخلّى عن حلم إبليس بالجنّة، إذ لن يعيش حتى رؤية “جنّته” الصهيونية متحقّقة. مع سقوط حلمه ستؤلمه خيبته ألماً جمّاً لا يطاق. خسئت أيّها “المهرّج” الأخرق سموتريتش.

مقالات ذات صلة