عظم الله أجركم

سائد كراجة

حرير- تتردد في العالم وبعض عواصم الدول العربية مقولة إن العرب عموما والفلسطينيين خصوصا أضاعوا فرص السلام، وإنهم لم يضيعوا فرصة لتضيع فرص السلام، والحقيقة غير ذلك، ففي استعراض تفصيلي في محاضرة منشورة للدكتور عزمي بشارة لجميع مبادرات السلام الأميركية، يظهر أن العرب قد قبلوا، لا وبل خضعوا -أحيانا- لجميع مبادرات السلام الأميركية، من مبادرة روجرز عام 1970 وحتى أوباما، علما بأن أكثر المبادرات الأميركية تحدثت عن حكم ذاتي فقط، وليس عن دولة فلسطينية، أو انها لمحت لدولة فلسطينية، ولم تنجح بفرض قبولها على إسرائيل.

المبادرة التي طرحت بجلاء عن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 هي مبادرة بوش الابن التي قبلها الفلسطينيون والعرب، ووضع عليها شارون مائة تعديل، وانتهت باغتيال عرفات وتقديم ورقة ضمانات بأمن إسرائيل لشارون!

أما صفقة القرن، فلم تتطلب حقيقة موافقة العرب، حيث نفذها ترامب عمليا عندما نفذ قانون نقل السفارة الأميركية للقدس الصادر عام 1995، والذي درج الرؤساء الأميركان على تأجيله كل ستة أشهر، والأخطر انه اعترف بالاستيطان في الضفة الغربية كعمل شرعي، الأمر الذي نزع صفة الاحتلال عن الضفة الغربية، وشرعن لابتلاعها من قبل إسرائيل!.

طرح العرب عام 2002 المبادرة العربية للسلام، والتي التفتت عنها إسرائيل ومع ذلك وإمعانا بالتنازل لإسرائيل ونزولا عند إملاءات جون كيري بتعديل المبادرة وأملا في قبولها من قبل إسرائيل، اجتمع العرب عام 2013، وعدلت المبادرة لتقبل مسألة تبادل الأراضي بين الضفة الغربية ودولة الاحتلال، ومع ذلك لم تعرها إسرائيل أي اهتمام.

طوال تاريخ الصراع العربي الصهيوني اتسقت الصهيونية مع نفسها برفض قيام دولة فلسطينية إلى جانب «إسرائيل»، هذا الرفض إستراتيجي عقائدي صهيوني، لأن وجود مثل هذه الدولة يتعارض مع مفهوم دولة إسرائيل الكبرى الدينية ومع ضرورة تفوقها عسكريا حماية لدورها في تمثيل قوى الاستعمار في المنطقة.

المنهج الذي اعتمدته الصهيونية للقضاء على إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية هو شراء الوقت لتحقيق هدفين؛الأول قضم الأرض والاستيلاء عليها بالاستيطان، والثاني تحويل القضية الفلسطينية من قضية حق تقرير مصير لشعب إلى موضوع مفاوضات حول إشكاليات سكانية.

الواقع يثبت أن العرب لم يرفضوا كما يشاع مبادرات السلام ولا حتى الاستسلام، بل لربما مشكلتهم تكمن بأنهم مستعدون أكثر من اللازم للقبول والخضوع!، عُقدة الدولتين ليست في إفشال إسرائيل لها عمليا ولا في عدم قدرة أميركا على فرضها مجددا لو أرادت، عقدة الدولتين هي أن العرب توهموا انها مشروع ممكن أو مقبول عند إسرائيل وأميركا، واتبعوا هواهم ووهمهم ضعفا وتبعية لأميركا أولا وأخيرا!

على مشارف اجتياح رفح، ورغم بعض الخلافات الشكلية بين أميركا ونتنياهو على حجم التنكيل المقبول لأهل غزة، إلا أنهما متفقان على مبدأ الاجتياح والتنكيل، وهذه حقيقة الموقف الأميركي الذي بهذا المنطق والسلاح الذي زودت إسرائيل به يجعل أميركا والغرب من الناحية القانونية والعملية شركاء فعليين في جريمة الإبادة الجماعية.

قال ترامب بعد نقل السفارة الأميركية للقدس «لقد حذرني الجميع ان الدنيا ستنقلب علي بعد نقل السفارة، وها أنا نقلتها ولم يحصل شيء»، لهذا لا تتوقعوا من العرب شيئا، حتى لو اجتاح نتنياهو رفح، وحتى لو أباد نتنياهو كل أهل غزة، وأكثر من ذلك، لن يفعل العرب والمسلمون شيئا، حتى لو هدم الأقصى لا سمح الله!

لم يترك للفلسطيني سوى أن يتقبل الموت وهذا قد يغير ميزان قوى الشعوب، فها هم شباب العالم الحر يغيرون ميزان الضمير العالمي نحو قوة الحق، وليس حق القوة!. نعم لم يترك للفلسطيني سوى أن يتقبل الموت وهذا ثمن حارق مؤلم للفلسطيني ومخز للذين يتفرجون عليه، انعموا أيها الفلسطينيون بموتكم، فقد سبقناكم اليه ولكن على عكسكم دون كرامة ولا عزة، عظم الله أجرك جنابكم!.

مقالات ذات صلة