عمليات السطو والأسئلة المفتوحة

ماجد توبة 

بحمد الله، لم يتمكن منفذ السطو المسلح السادس على بنك محلي في صويلح أمس من النجاة من قبضة العدالة سوى لأقل من ساعة فقط، لكن حادثة السطو تعيد إلى الواجهة مجددا الجدل والقلق حول توسع مثل هذه الحوادث، التي يكاد يخلو السجل الجرمي منها حتى نحو ثلاثة أشهر تقريبا! وجاءت هذه الجريمة الجديدة أمس، بعد يوم واحد فقط من اجتماع موسع لوزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية ومحافظ البنك المركزي وجمعية البنوك، تم خلالها الاتفاق على إجراءات فنية وأمنية جديدة لحماية البنوك ضد عمليات السطو المحتملة.

ونتفق مع وزير الداخلية بأن حوادث السطو “لا يمكن ان تعتبر خللا أمنيا” تتحمل مسؤوليته الأجهزة الأمنية، لكن الخلل بلا شك أيضا ليس من مسؤولية البنوك المحلية، وقد تكون هناك تفاصيل هنا وهناك تحيط بعمليات السطو سواء على البنوك أو على غيرها، تتحمل جزءا من مسؤوليتها، تقصيرا أو إهمالا، الجهة المتضررة أو حتى المنظومة الأمنية والقانونية، لكن فهم الظاهرة وتحليلها بعمق يحتاج لنظرة شمولية ودراسة أوسع من قصة إجراءات واحتياطات أمنية وفنية رغم أنها مطلوبة بإلحاح. وإذا كان ليس من واجب الصحفي أو الكاتب إجراء دراسات علمية وعميقة لمثل هذه الظواهر الخطيرة، التي تبرز بمرحلة تاريخية معينة، فإن ذلك لا يمنع من تناول المؤشرات والظروف المحيطة بمثل هذه الظواهر، وإخضاعها للمحاكمة والتحليل. ثمة العديد من الأسئلة التي يمكن أن تطرح في سياق تناول التطور الجرمي باتساع حوادث السطو، أولها المرحلة الزمنية التي تظهر فيها الظاهرة أو على الأقل إرهاصاتها، وفي هذه الحالة، ونتحدث عن فترة ممتدة من ثلاثة أشهر تقريبا، ما يغري الباحث والمحلل لربطها بسياق عام من التطورات الاقتصادية والمعيشية، وحزمة القرارات والإجراءات المالية والاقتصادية الحكومية الأخيرة. وإذا كان الفقر وحتى الجوع ليس سببا يدفع الإنسان إلى التحول إلى مجرم، بل ومجرم “انتحاري” كما في جرائم السطو على البنوك الستة، التي ألقي القبض على المجرم في خمسة منها بذات اليوم، فإن مثل هذه الجرائم قد تعكس نوعا من اليأس والتهور، وربما كانت ردة فعل جرمية / مرضية على فقدان الأمل بمستقبل معيشي مناسب بظرف اقتصادي قاس! السؤال الثاني في هذا السياق، يجب أن ينصب على الحالة الجرمية الفردية، بمعنى ضرورة الدراسة العلمية، اجتماعيا ونفسيا، لكل حالة جرمية بمثل هذه الجرائم.

سؤال آخر، يمكن أن يطرح في سياق التحليل أيضا، هو هل يمكن للإجراءات الأمنية والتقنية المشددة في البنوك، والتي تعد مطلوبة بإلحاح، أن تكون كافية على إنهاء ظاهرة السطو المسلح بمهدها، وهو ما نتمناه؟! وألا يبقى هناك احتمالات لاتخاذ عمليات السطو منحنى آخر بالأهداف، أي باتجاه مؤسسات ومحال انتشارها أوسع وربما أقل بالاحتياطات الأمنية؟ أعتقد أن السؤال الرئيسي العميق الذي يمكن أن يطرح من قبل دارسين مختصين يتعلق بما بعد الصورة الظاهرية والوصف السريع لمشكلة تزايد جرائم السطو المسلح، كظاهرة مستجدة أردنيا، والغوص بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتفاعلاتها خلال فترة الدراسة، ليس فقط لفهم هذه التطورات الخطيرة والمقلقة بل وأيضا لمواجهتها والتصدي لإفرازاتها وجرائمها، بصورة شمولية ومنتجة.. ومسؤولة أيضا، وبما يسهم بحفظ الأمن المجتمعي.

لا يجب الركون على فشل أغلب جرائم السطو المسلح والنجاح بالقبض على منفذيها، فرغم أهمية ذلك وتشكيله سببا مهما للردع، إلا أن تكرار هذه الجرائم الفاشلة وشبه الانتحارية مدعاة أكثر للقلق الحقيقي، والذهاب إلى الدراسة العلمية للمشكلة ووضعها بسياقها الحقيقي بالطريق لمواجهتها والحد من آثارها الخطيرة.

مقالات ذات صلة