عنف صامت يهدد حياة آلاف الأطفال

حرير _ صفعة على الوجه، تلقاها الطفل قيس – سبع سنوات – امام الآخرين من قبل والدته في احدى المحلات التجارية كردة فعل على اصرار الطفل شراء بعض انواع الحلوى، فلم تجد والدته وسيلة لاقناعه عن طلبه سوى بالضرب، وهذه كفيلة بأن تغير الكثير بنفسه.

وذات المشهد تكرر في احدى المحلات لبيع الالبسة، حيث لم تجد الأم التي كانت منشغلة بالبحث عن الملابس، طريقة للتعبير عن ابتعاد طفلتها البالغة من العمر ست سنوات عنها سوى بالصراخ والضرب أمام الاخرين، في حين كانت طفلتها تجهش بالبكاء نتيجة ما بدر من والدتها.

سلوكيات من العنف هذه وغيرها الكثير صارت نهجا يوميا بحق الاطفال تحت مسمى «التأديب»، او كرد فعل من قبل الاباء والامهات ومانحي الرعاية للاطفال، ما يترك اثارا سلبية غير ظاهرة على الاطفال بالوقت الذي تتعامل الجهات المعنية مع العنف باطاره العام عندما يتعرض الطفل لعنف جسدي واضح ومثبت بالتقارير الطبية.

فكم من الاطفال الذين يتعرضون لعنف جسدي ونفسي لا يصل صوتهم للجهات المعنية، وكم من الاطفال الذين يبقى عنفهم طي الكتمان ما لم يخرج عن اطار الاسرة او مانحي الرعاية لهم سواء من اقارب او مؤسسات رعاية، حتى يصل للرأي العام، ليتم اتخاذ الاجراءات المناسبة لوقف العنف وحماية الاطفال؟.

تساؤلات مشروعة امام عنف الاطفال والضبايية التي تلف مشهد عدم التفريق بين تأديب الاطفال وتعنيفهم من قبل الاسر والجهات مانحة الرعاية لهم والاعتماد على آلية التبليغ من قبل البيئة المحيطة بالطفل ليصل صوتهم للجهات المسؤولة بحماية الطفل في ظل الابقاء على المادة 62 من قانون العقوبات التي تجيز تأديب الابناء ما لم يلحق الاذى بهم بالرغم من مطالبات مؤسسات المجتمع المدني والجهات المسؤولة عن حقوق الطفل بالغائها منذ سنوات طويلة، لتبقى هذه المادة عائقا امام فرض عقوبات لكل ام واب ومانح رعاية لا يزال يعتقد بان تأديب الاطفال والحاق الاذى النفسي والجسدي بهم يقع ضمن حريته الشخصية وخصوصياته الاسرية. الخبير الاجتماعي الدكتور فواز الرطروط قال» ان هناك مؤشرات متعارفا عليها دوليا لحماية الاطفال تقاس من خلال نسبة عمالة الاطفال وزواج القاصرات وعنف الاطفال»، مضيفا ان هذه المؤشرات لا تزال مرتفعة بالاردن، فالاحصائيات تظهر ان نسبة زواج القاصرات تبلغ 13% وان هناك 75 الف طفل عامل، اضافة الى ان مكاتب الخدمة الاجتماعية في ادارة حماية الاسرة تتعامل سنويا مع 2000 حالة عنف ضد الاطفال، حيث اظهر مسح سكان الصحة الأسرية للاعوام 2018 – 2017 ان 13% من الاطفال من عمر سنة الى 14 عاما تعرضوا لعقاب جسدي حاد.

وبين الرطروط، ان الابقاء على المادة 62 من قانون العقوبات قائمة بالرغم من توصيات لجنة حقوق الطفل بتقريريها الرابع والخامس بضرورة الغائها، مؤكدا انها لا تزال تشكل عائقا واضحا في قضية حماية الطفل خاصة انها جاءت مطلقة ويصعب التفريق بينها وبين تأديب الاطفال وتعنيفهم.

واشار الرطروط، الى ان حالة الطفل الذي تم تعنيفه من قبل خاله امس الاول وتداولته مواقع التواصل الاجتماعي ليست الاولى ولن تكون الاخيرة فهناك آلاف الحالات لاطفال يتم تعنيفهم يوميا ويتعرضون للعنف الجسدي واللفظي ولا يحرك ساكنا اتجاههم لضعف في نظام حماية الطفل في الاردن الذي اصبح بحاجة للمراجعة والتطوير خاصة ان ما تم قياسه من خلال المؤشرات المتعارف عليها بنجاحه او فشله، مشيرا الى اي عنف يتعرض له الطفل يؤثر عليه سلبا من جوانب نمائه وتطوره الجسدي والذهني والسلوكي. واكد الرطروط، اهمية العمل على الجانب الوقائي للعنف قبل وقوعه من خلال تطوير نظام الحماية بالاردن والتوعية المجتمعية والاسرية والغاء المادة 62 من قانون العقوبات، اضافة الى اجراء مراجعة شاملة لجميع حالات العنف الواقعة والمثبتة للعمل على الجانب الوقائي قبل حدوثها، آخذين بعين الاعتبار تطوير المنهاج والتوعية بكافة جوانبها، لضمان الوصول الى الوقاية وعدم التعامل فقط مع حالات العنف التي تحدث على ارض الواقع، تجنبا لتعريض الاطفال لهذه الالام النفسية والجسدية التي ما يصل اليها للجهات المعنية هي اقل بكثير مما هو موجود فعليا. وتعمل وزارة التنمية الاجتماعية من خلال مؤسساتها الاجتماعية باستقبال الاطفال المعنفين في حال تحويلهم من قبل الجهات المخولة بسحب الطفل من اسرته او من الجهة المانحة للرعاية » اقارب واسرة ممتدة واسر حاضنة او بديلة » ليتلقى الطفل الرعاية بهذه المؤسسات وتوفير الحماية له لحين زوال اسباب العنف واجراء دراسات اجتماعية على اسرته قبل اعادته لها، في الوقت الذي تعرض اطفال بسنوات سابقة بدور الرعاية الاجتماعية لسلوكيات عنف من قبل مانحي الرعاية لهم ايضا، الامر الذي يؤكد اهمية الوقاية والتوعية ليس فقط على صعيد الاسرة بل لجميع الاطراف التي تتعامل مع الاطفال سواء بالمدارس والمؤسسات الاجتماعية والجمعيات التي تقدم خدمات الرعاية والايواء للاطفال. وامام مشكلة تنامي العنف ضد الاطفال خاصة العنف الصامت الذي يتعرض له اطفال داخل اسرهم او ضمن بيئتهم الاجتماعية والمحيطة بهم وتجاهل الاثار السلبية على نمائهم وتطورهم واعتبار ان الطفل ملكية خاصة للوالدين ولمانحي الرعاية، تثار تساؤلات عن الاسباب التي تدفع بالحاق العنف بالطفل.

روان القاسم اخصائية تربية وعلم نفس اشارت الى، ان هناك اسبابا عديدة لالحاق العنف بالاطفال والتي هي بعيدة كليا عن مفهوم التأديب الطبيعي والمألوف في تربية الابناء فالعنف لا يقتصر فقط على الضرب الجسدي بل يمتد الى تعنيف الطفل لفظيا وانتهاك كرامته امام الاخرين.

واضافت القاسم، ان الاسر بالمجتمع تعتبر الطفل ملكية خاصة لها وان اي تدخل بطريقة واساليب تربيته غير السليمة والتي تأخذ صورا متعددة للعنف هو انتهاك لخصوصياتها في ظل عدم وجود مفهوم التبليغ عن حالات العنف من قبل الاخرين والتي لا تزال في حدودها الدنيا من مبدأ ان كل اسرة لها الحق باختيار اساليب التربية والرعاية والتي جميعها تعزز العنف بالمجتمع ويصبح التأديب للابناء يتخذ منحى العنف بشكل او باخر.

واشارت الى ان اي عنف يلحق بالطفل في مراحله العمرية الاولى يترك اثارا سلبية وخطيرة عليه قد يصعب علاجها او نسيانها ليحمل اثارها بحياته القادمة وهو ما لا تدركه الكثير من الاسر، موضحة ان الشخص المعنف الذي ينتهج اساليب العنف سواء بحق الاطفال او النساء وهي الفئات التي تكون بالعادة غير قادرة على درء العنف عنها يتصف بشخصية غير سوية واضطرابات سلوكية ونفسية تقوده الى هذه الافعال خاصة وان منهم من يعاني من الشخصية السادية التي تجد متعة بتعذيب الاخرين وهي بحاجة لعلاج نفسي وسلوكي.

واكدت القاسم، ان هناك علاقة بين ما تعرض له الطفل بطفولته من عنف او اهمال او وجوده ببيئة شهد بها صورا للعنف بسلوكه بحياته المستقبلية اضافة الى اسباب اخرى تتعلق بالفقر والبطالة والوحدة وعدم الشعور بتحقيق الذات والاكتئاب، لتؤدي جميعها الى الحاق العنف بالاخرين وتفريغ اضطرابات نفسية وسلوكية بالفئات الاكثر ضعفا.

واشارت القاسم، الى ان التوعية المجتمعية والاسرية والتركيز على الجانب الوقائي وتفعيل التشريعات المتعلقة بالعنف وعدم جواز تأديب الاطفال باي سلوك عنف يؤذي كيانهم وكرامتهم تسهم في خفض نسب العنف الموجه للاطفال خاصة وان هناك الكثير من الاطفال يعانون من عنف داخل اسرهم بكافة اشكاله ولا يصل صوتهم لاي جهة طالما يبقى العنف مرتبطا بالتبليغ او آليات اخرى للكشف عنه، لتبتعد بالمطلق عن وعي الاسر او كل من له علاقة بالطفل بالعنف وخطورته.

مقالات ذات صلة