مأزق الدبلوماسية الأردنية محمد أبو رمان
يشارك الأردن في القمّة العربية اليوم في السعودية، وهو يحمل معه أجندة واضحة في منح الأولوية لدعم السلطة الفلسطينية، وبناء موقف عربي صلب في مواجهة ما قد تطرحه الإدارة الأميركية على الفلسطينيين في “صفقة القرن” من تنازلاتٍ هائلة، تبدأ بالقدس وتنتهي بالحدود والسيادة، وتمر عبر تبادل الأراضي وإبقاء المستوطنات، وإلغاء أيّ معنى حقيقي لأي مشروع، ولو هيكلي مجوّف، للدولة الفلسطينية!
نلحظ الاهتمام الأردني بإبقاء القضية الفلسطينية على الطاولة، من خلال اجتماع وزراء الخارجية العربية، إذ عمل وزير الخارجية، أيمن الصفدي، على تأكيد ذلك في كلمته في الاجتماع الوزاري الممهّد للقمة، وفي لقاءاته وتنسيقه المستمر مع الأطراف العربية المعنية، وخصوصا مصر والسلطة الفلسطينية والسعودية.
يبرز الإعلام الأردني، بدوره، موضوع القضية الفلسطينية، والثبات المطلوب في الموقف العربي، وهي القضايا التي من باب المجاملة الديبلوماسية، وتجنّباً للاصطدام، يحصل عليها الأردن بسهولة، من دون أن يكلّف ذلك الدول العربية الأخرى أكثر من ديباجةٍ وكلماتٍ مكرّرة، لكن أولوية هذه الدول، وخصوصا السعودية والإمارات، وبدرجة ما مصر، لا علاقة لها من قريب أو بعيد، بالهاجس الأردني واهتمامه الرئيس بالقضية الفلسطينية، فالمسألة بالنسبة للسعودية والإمارات هي كلمة واحدة: إيران، وبالنسبة لمصر الوضع الداخلي، أمنياً واقتصادياً.
يكابر المسؤولون الأردنيون في الاعتراف بحجم الفجوة الكبيرة بينهم وبين حلفائهم العرب، وفي الاعتراف بأنّ الأردن، عملياً وواقعياً، هو معزول ديبلوماسياً، يغنّي في واد والعالم العربي الذي يعقد التحالفات والتفاهمات، من تحت الطاولة ومن فوقها مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هو في وادٍ آخر تماماً.
لا يمكن القول إنّ الديبلوماسية الأردنية فاشلة أو عاجزة، لكنّها لا تستطيع مسايرة الموقف العربي اليوم المسارع إلى التحالف وتوطيد العلاقات مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وهو ما يمثّل، بصورة أخرى، سحباً للبساط من تحت أقدام الأردن الذي مثّل، في الأعوام الأخيرة، الحليف العربي الأقرب للإدارة الأميركية، وتمتع الملك عبدالله الثاني حصرياً بقنوات اتصال عميقة وحيوية مع المؤسسات الأميركية المختلفة، ما أحدث تعاوناً عميقاً بين الدولتين، وأدّى إلى ارتفاع كبير في حجم المساعدات الأميركية إلى الأردن.
صحيحٌ أنّ التعاون الأردني – الأميركي لم يتوقف، والعلاقات ما تزال قوية في إطارها المؤسسي، لكن من الواضح تماماً أنّ البدايات الجيدة لعلاقة الملك بالرئيس الأميركي ترامب تراجعت كثيراً، وحلّت محلها شكوك وأزمة غير معلنة بين الرجلين، بعد قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ومع التسريبات عن “صفقة القرن”، ثم استبدال طاقم الرئيس واستقطاب اليمين المتطرّف لأركان الإدارة. والأهم من هذا وذاك تشكّل التحالف الجديد في المنطقة (الأميركي – العربي السنّي – الإسرائيلي) في مواجهة إيران، وانفتاح قنوات عديدة بين هذه الأطراف يقع الأردن، كليةً، خارجها تماماً!
هواجس الملك وشكوكه فيما يجري لا تُنقل إلى العلن، ولا يتم الإفصاح عنها في لقاءاتٍ رسمية، لكن يمكن التقاطها من خلال ما يحدث واقعياً. حتى على صعيد القضية الفلسطينية، هنالك “طبخة ما” تجري بين الإدارة الأميركية ومصر والسعودية من دون علم الأردن، وهو ما يمكن التقاطه من زيارة مدير المخابرات المصرية إلى الضفة الغربية، أخيرا، ونقله رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الرئيس محمود عباس، تتحدث عن نقطتين مهمتين؛ التعديلات التي تعمل السعودية ومصر على إدخالها على “صفقة القرن”، وموضوع غزة وتسليمها للسلطة الفلسطينية، وهما موضوعان يبدو الأردن خارجهما تماماً.
حتى ملف الجنوب السوري (مدينة درعا) الذي نجح الأردن في تحييده من خريطة الصراع السورية، فهو مرهون اليوم بالتوتر الأميركي- الروسي، وبالأجندة الإيرانية، وباحتمال انتقال النزاع المسلّح إليه، ما يؤدي إلى ما وصفه مسؤول أردني بأنه “كارثة” على حدود الأردن، سواء موضوع اللاجئين أو الأمن أو الإرهاب، وحتى هذا الملف، الحسابات الأردنية مغايرة للحسابات الأميركية والعربية، وخصوصا في الموقف من الروس.
في نهاية المطاف، لا تسير الأمور على ما يرام مع الديبلوماسية الأردنية، بل لم يعد القول إنّ الأردن اليوم بلا حلفاء حقيقيين ليس مجافياً للصواب، إذ ينطبق عليه المثل العاميّ المشهور “لا مع ستّي بخير ولا مع عمّي بخير”.