انخفاض القوة الشرائيّة

سلامة الدرعاوي

أكثر مُعاناة يعانيها المواطن اليوم هو شعوره بإن قيمة النقد الذي يملكه لمّ يعد يشتري كمية السلع والخدمات التي كان يشتريها قبل سنوات عدة، وهو الأمر الذي أثر على أمنه المعيشيّ وولّد تداعيات سلبيّة على حياته اليوميّة وتكاليف وأعباء إضافيّة في ظل ثبات نسبيّ للدخل المُتحققّ.
احد أبرز أسباب تراجع القوة الشرائيّة لدخول الأردنيين في السنوات الماضيّة هو النزوح الكبير للأشقاء العرب بأعداد كبيرة لا قدرة للاقتصاد الوطنيّ على تحمّلها دون دعم دوليّ ومساعدة المانحين.
على أثر حرب العرق سنة 2003 قَدِمَ للمملكة ما يزيد عن نصف مليون عراقيّ لجأوا للمملكة، وسكنوا في جميع المحافظات وتحديداً العاصمة عمّان.
الآثار الاقتصاديّة التي ولّدها التواجد العراقيّ هو في خلق ثقافة استهلاكيّة جديدة، والمُساهمة بشكل غير مباشر في رفع الأسعار عامة إلى مستويات لم تنموا فيها دخول المواطنين بشكل يُغطي تلك الارتفاعات التي شملت مُعظم السلع والخدمات.
بعد عام 2003 بدأت موجات التضخم تزداد وطأتها على الأمن المعيشيّ للأردنيين، وأخذت الأسعار مُنحنى تصاعديّاً جديداً، واقتربت مُعدّلات التضخم مع احتساب نسب الدعم الرسميّ المُقدم للخزينة للسلع والمحروقات والصحة إلى ما نسبته 10 بالمئة تقريباً.
النسب السابقة في مُعدّلات التضخم الحقيقيّة والتي عادة لا يُعلن عنها ويكتفي بمُعدّلات التضخم مطروحا منها الدعم، بينما لم يواجهها نُمُوّا في دخل الأردنيين الذي بقيت قوته الشرائيّة تقريباً لا تحرك ساكناً.
الارتفاعات حينها شملت العقار والغذاء والمحروقات ومعظم أسعار الخدمات المُختلفة، وهذه ولّدت أعباء معيشيّة كبيرة، ناهيك من أن القدرة الشرائيّة للأشقاء العراقيين كانت أكبر مما عليه لدى الأردنيين، وهو أمر دفعهم للمزيد من الأنفاق وتأسيس حياة جديدة في عمّان، وخلق ثقافات استهلاكيّة جديدة أكثر تنوعا وأعلى سعرا مما اعتاد عليه الأردنيين.
اليوم الوضع مُشابه لما كان عليه بعد عام 2003، فالأشقاء السوريون تدفقوا إلى المملكة بأعداد كبيرة اقتربت من الـ 200 ألف لاجئ منهم أكثر من 50 ألفاً يقطنون المُدن الرئيسيّة خاصة عمّان، ورغم ان قوتهم الشرائيّة أقل بكثير مما لدى الأشقاء العراقيين، إلا أن هناك ممارسات من قبل بعض التجار وصائدي الفرص في رفع الأسعار، مُستغلين الحاجة الشديدة للاجئين والذين بدأت بعض المنظمات والجمعيات الخليجيّة تنفق عليهم في إطار المساعدات والواجب الإنسانيّ الذي تفرضه مثل هذه الظروف.
طبعاً ضُعف الرقابة الرسميّة على الأسواق وعدم القدرة على الحدّ من تنامي الأسعار للسلع والاستغلال وضبط فعليّ لحالات الاستغلال أدت إلى بقاء الأسعار في مستوياتها العاليّة، وهو ما أدى إلى تأثر الأردنيين بشكل سلبيّ من تداعيات عدم الاستقرار السياسيّ والاضطراب الأمنيّ في المنطقة.
علينا أن نعترف أن تآكل الدخول للأردنيين ليس فقط سببه تداعيات العوامل الخارجيّة فقط، وإنّما أيضاً عوامل داخليّة أساسها إخفاق السياسات الاقتصاديّة المُختلفة التي نفذتها الحكومات السابقة في إيجاد منظومة أمن اجتماعيّ قادرة على امتصاص تداعيات ارتفاعات الأسعار وحماية الطبقات المختلفة من سلسلة الضرائب والرسوم التي فرضت في إطار برامج التصحيح الاقتصاديّ المختلفة.
تعزيز القوة الشرائيّة لدخول الأردنيين التي تراجعت أكثر من 50 بالمئة في السنوات العشرين الماضيّة يتطلب وقف موجة الغلاء الفاحشة التي تحدث في الأسواق وهذا لا يكون إلا بخطة رقابيّة فاعلة على الأسواق، وتدخل ناعم ليس في توفير المنتجات، وإنّما في الحدّ من سلوكيات غير قانونيّة وخلق حالة تنافسيّة عادلة بين قوى السوق.

مقالات ذات صلة