الهدوء الذي يحتاجه الأردن

فهد الخيطان

حرير- انتهاء الحرب الإسرائيلية البشعة على قطاع غزة، هو مكسب بالنسبة للأردن، لأكثر من اعتبار، أولها، وقف المقتلة اليومية للأشقاء هناك، وحرب التجويع جراء الحصار الإسرائيلي، وهى القضية التي تقدم الأردن فيها الصفوف لتخفيف معاناة الناس، وكرس كل جهد سياسي ودبلوماسي لأجل إيصال المساعدات الغذائية والطبية لغزة، في أحلك الظروف وأكثرها خطورة.

ونهاية الحرب على غزة، مكسب أيضا لجهة تهدئة الوضع الداخلي في البلاد، وإعادة تركيز الجهد الوطني صوب الأولويات الداخلية. الحرب المستعرة لسنتين في غزة، كان لها تداعيات سلبية على قطاعات اقتصادية عديدة، بالرغم من الجهود التي بذلت لإدامة نشاطات القطاعات المختلفة.

وعلى المستوى السياسي، تعني نهاية الحرب، خفض مستوى الضغوط في الشارع الأردني، وإلى حد كبير في البرلمان مع اقتراب موعد الدورة العادية الثانية أواخر الشهر الحالي.

النموذج الأردني عموما يزدهر ويبرهن على نجاعته، في حالات السلم والهدوء، رغم ما أظهره من قدرة عالية على التكيف مع جوار مضطرب، وتحديات أمنية في الإقليم.

لكن الأردن ليس مطمئنا إلى درجة اليقين، فنهاية الحرب ليست مؤكدة، بعد، وثمة خشية كبيرة من انفجار الأوضاع مجددا، في حال وصلت مفاوضات المرحلة الثانية إلى طريق مسدود.

الأخطر من ذلك، نوايا حكومة نتنياهو تجاه الضفة الغربية، التي اعتبرها رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي في أحدث تصريح له، واحدة من أهم جبهات الحرب الإسرائيلية.

لقد نجحت الجهود الدبلوماسية الأردنية، وبدعم عربي، في الحصول على تعهد رسمي من الرئيس ترامب، بمنع حكومة نتنياهو من الإقدام على ضم أراضي الضفة الغربية. غير أن موقف الإدارة الأميركية، وقف عند هذا الحد، ولم ينسحب على الإجراءات الإسرائيلية الأشد خطورة من الضم، كمصادرة الأراضي بشكل يومي، وتوسيع الاستيطان، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، ومحاصرة السلطة الفلسطينية اقتصاديا وسياسيا، بهدف معلن من الأشرار في حكومة نتنياهو، وهو إلغاء دور السلطة نهائيا، بعد التنصل رسميا من اتفاقية أوسلو.

ربما يحتاج الأردن في المرحلة الحالية إلى إجراء حوار دبلوماسي مكثف مع الإدارة الأميركية، لتوسيع حزمة ضماناتها لتشمل وقف سياسات الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية، وسد الطريق على مشاريع التهجير التي يلوح بها عتاة اليمين المتطرف في إسرائيل، وإعادة الاعتبار لدور السلطة الفلسطينية، والحؤول دون انهيارها، لما يمثله ذلك من مخاطر على مستقبل الضفة الغربية، والأمن القومي الأردني.

ترامب ورموز إدارته المشتبكون مع قضايا المنطقة، بدأوا يشعرون بمسؤولية أكبر حيال ما حققه رئيسهم من إنجازات، خاصة وقف الحرب على غزة. يمكن استثمار مثل هذا الوضع، لحثهم على ممارسة دور أكبر لتطويق نتنياهو قبل أن يمضي لخيارات كارثية في سبيل الفوز بالمعركة الانتخابية المتوقعة منتصف العام المقبل.

يحتاج الأردن لفترة أطول من الاستقرار والسلام في الإقليم، كي يتمكن من تدعيم قدراته الداخلية، وتعزيز منعته الوطنية على مختلف المستويات، لمواجهة تغيرات كبرى ستطال المنطقة في زمن قادم. لقد أظهرت الأزمة الأخيرة أن قدرة الأردن على الصمود، تتطلب بناء اقتصاد قوي، وأكبر حجما من الاقتصاد الحالي، ورفع مؤهلات عديد القطاعات، وتحسين كفاءتها، والاعتماد على الموارد الذاتية، بدل المساعدات والمنح. كما ظهرا جليا الحاجة لدعم قدرات قواتنا المسلحة، ومواكبة التطور الهائل في تكنولوجيا التسلح، والحرب السيبرانية، وأسلحة الجيل الخامس.

لأجل ذلك كله نحتاج لفترة طويلة من الهدوء. هدنة ممتدة لسنوات نلتقط فيها الأنفاس.

مقالات ذات صلة