هل يحل اعتقال عمران خان مشكلات باكستان؟

محمود الريماوي

حرير- اتسمت عملية اعتقال رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بوقائع غريبة، فقد جرى توقيفه يوم الثلاثاء الماضي (9 مايو/ أيار الحالي)، من داخل محكمة، فيما يُفترض أن الشرطة تخضع لقرارات القضاء لا العكس. وجرى احتجاج قضائي على هذا الإجراء الذي وُصف بعملية اختطاف، غير أنه تم إسكات هذا الاحتجاج، ليُنقل خان إلى محبسه، وحيث ستجري وقائع محاكمته في دار “ضيافة” الشرطة، والتي جرى تحويلها، في لمح البصر، إلى قاعة محكمة، كما حيل بينه وبين الاتصال بمستشار قانوني.

قاوم لاعب الكريكت الدولي السابق نحو عام محاولات توقيفه، وكان الأحرى به أن يستجيب للاستدعاء، غير أنه فعل شيئا من ذلك في فبراير/ شباط الماضي، حينما توجه إلى المحكمة في إسلام آباد، فما كان من الشرطة إلا أن داهمت منزله بعد مغادرته له. وقد نجح خان، منذ جرى عزله في البرلمان في إبريل/ نيسان من العام الماضي، في تحويل مسألة عزله إلى قضية رأي عام، رغم أنه تمت مراعاة الإجراءات الشكلية في عملية عزله، بعدما تولّى منصب رئاسة الوزراء نحو 40 شهرا. وفيما تتحدّث السلطات عن مائة قضية تنطوي على اتهامات ضده، إلا أن ما هو معروف منها، حسب السلطات، تصرّفه بهدايا مُنحت له بصفته رئيسا للحكومة، ثم أضيفت إليها، أخيرا، قضية نقل ملكية أرض لمصلحة إحدى الجامعات.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصيب بإطلاق نار في ساقه خلال قيادته مسيرة احتجاجية في مدينة وزير أباد (شرق). والراجح أن توقيف الرجل سوف يستغرق وقتا غير قصير، يتجاوز تاريخ نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، موعد الاستحقاق الانتخابي، وذلك بعد عمليات كرّ وفرّ بينه وبين السلطات طوال عام مضى. وقد بدت شبيهة بأفلام الآكشن، مع فارق أن الأحداث هنا حقيقية، وتتعلق برئيس وزراء سابق ورئيس حزب حالي (تحريك أنصاف). ولم يتوقف الأمر عند اعتقاله، إذ شملت الاعتقالات أمين عام الحزب أسد عمر ومئات من أنصار خان الذين سيّروا تظاهرات احتجاج صاخبة، تخللتها بعض أعمال السلب والنهب.

يتهم خان مسؤولا كبيرا في المؤسّسة الأمنية، إضافة إلى رئيس الوزراء شهباز شريف، بأنهما دبّرا محاولات اغتياله واعتقاله، وهو ما أثار حفيظة هذه المؤسسة التي وجّهت إنذارا له، ثم أوقفته وهو بين يدي القضاء في حالة إطلاق سراح. ومن شأن هذه الملابسات أن تشكل وقودا لسلسلة اضطرابات، وبالذات في الشهور الستة المقبلة المتبقية على إجراء الانتخابات، وهي الفترة التي تشهد حملات انتخابية. ويعتبر مسؤولون في حزبه ووزراء سابقون في حكومته أن الإصرار على توقيفه وتقديمه للمحاكمة يرمي إلى منعه من خوض الانتخابات، وحرمان شخصيات بارزة من حزبه من الترشّح.

وفي الحصيلة، سوف يواجه خامس أكبر بلد في عدد السكان مزيدا من الصعوبات الداخلية تزيد من أثر الوضع الاقتصادي السيئ الذي قلص احتياطات النقد الأجنبي إلى ثلاثة مليارات دولار، وبما يكفي لتغطية حاجات البلاد الأساسية شهرا، في وقتٍ يرفض فيه صندوق النقد الدولي تقديم قرض جديد بقيمة ستة مليات دولار. فيما تناهز الديون الخارجية 128 مليار دولار ويزداد العجز التجاري بصورة مطردة حتى بلغ 45 مليار دولار. وهكذا وقعت حكومة شريف في فترة قياسية بين فك سداد الديون وفك الحاجة إلى مزيد من الاستدانة لمحاولة إطفاء ديون قديمة متراكمة.

لقد نجحت باكستان منذ أزيد من أربعة عقود في إنتاج قنبلة نووية، وبعد أقل من عشرة أعوام على امتلاك جارتها اللدودة الهند أسلحة الدمار الشامل هذه، لكنها لم تنجح، إلا في حدود، وإلى حين، في التحوّل إلى بلد صناعي، حيث كان اقتصاد البلاد واعدا قبل أن يشهد انحدارا منذ ثلاثة عقود، بما جعل هذا البلد يصدّر مواد خام بدلاً من السلع ذات القيمة التنافسية. ولا يملك المسؤولون سوى مناشدة الجمهور تخفيض استهلاك الكهرباء، وحتى تخفيض استهلاك الشاي الذي تبلغ ميزانية استيراده 600 مليون دولار في العام، علما أن الجارة الهند تنجح في إنتاج الشاي إلى جانب صناعة المركبات والأدوية وما لا يُحصى من صناعات ثقيلة ودقيقة. ولا أحد في باكستان أو خارجها يتوقع خروج هذا البلد من عنق الزجاجة في الأمد المنظور. ويزيد حدّة ما يشبه الانسداد الاقتصادي ضيق الفضاء السياسي العام، والامتيازات الممنوحة لشريحة عسكرية، وميل جماعات سياسية ودينية إلى العنف، بما في ذلك حركة طالبان باكستان، والانقسامات العرقية والدينية، علاوة على الآثار المترتبة على جائحة كورونا، وعلى توقف المساعدات الخليجية التي اعتاد هذا البلد على تلقيها عقودا. وقد زادت الفيضانات المدمّرة التي اجتاحت البلاد في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول من العام الماضي الأوضاع سوءا، إذ أدّت إلى مصرع نحو 1060 شخصا، ودمرت أو أضرّت بزهاء مليون منزل ونفوق 700 ألف رأس ماشية، وأدّت إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية وتفشي الأمراض وخراب الطرق والسكك الحديدية وتوقف القطارات، وقد امتدّت الآثار الوخيمة لهذه الفيضانات إلى ربيع العام الجاري.

وفي هذه الظروف التعيسة، نشطت المنازلات والتحدّيات بين عمران خان وسلطات الأمن، وظل الرجل يطرح نفسه بديلا عن بقية القوى السياسية، وبالذات التقليدية والقديمة منها، ولطالما طرح في مسيراته الاحتجاجية برنامجاً لإنقاذ الاقتصاد، ويتمثل في تحفيز رجال الأعمال الباكستانيين في الخارج على إقامة استثمارات في بلدهم، وتنشيط السياحة، وتحسين الأداء الضريبي، وهو ما لم ينجح فيه حين قاد السلطة التنفيذية. ومن المؤكّد أن توقيفه والاستعداد لتوقيع عقوبة بالسجن عليه لن تحل المشكلات البنيوية لجمهورية باكستان الإسلامية، والتي تشتدّ حدّتها شهرا بعد شهر، من دون أن ينجح خليفة خان، رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، في معالجة التحدّيات والوفاء بالوعد الذي أطلقه غداة انتخابه من مجلس النواب بأن يعيد البلاد “إلى المسار الصحيح وبخاصة في المجال الاقتصادي الذي أضرّ به عمران خان”، كما قال، غير أن لغة الأرقام لا تتحدّث للأسف عما يثير التفاؤل بالوضع العام، وبخاصة في الحقل الاقتصادي.

مقالات ذات صلة