حراك الساحة.. صالح عبدالكريم عربيات

ما يزال حراكهم ووجعهم ما أصاب غيرهم لا ما أصابهم، ينشدون الخير لغيرهم وينسون منه أنفسهم، ما يزال الوطن بعيونهم ليس رقما في كتب التاريخ، أو نهرا في كتب الجغرافيا، بل حلم جميل؛ إنه مستقبل أبنائهم وإيمان عميق بأنه آخر مستقرهم.
في ثلاثة أشهر، أنا شخصيا كسرت نصف دزينة كاسات، ودفشت بقدمي ثلاثة برقان شاي، نتيجة بعض السلوكيات العائلية المنرفزة، بينما هم طرحوا كل ملفات الفساد ولم يخدش لوح زجاج من أملاك مدينتهم في سلوك تجلت فيه أروع صور الانضباط الوطني والمصلحة العامة.
حاول البعض أن يغمز أن لبعضهم مكاسب شخصية من وراء الحراك، فاستعرضت العديد من الشخصيات التي تشارك فيه، فما المكسب الذي يمكن أن يحققه صاحب بقالة والدولة لا تستطيع أن تعفيه حتى من رسوم تجديد رخصة المهن، ولا تشتري عادة الأرز والحليب، وشهادته سادس (ج) ولا تساعده على أن يصبح وزيرا، وما المكسب الشخصي الذي يمكن أن يحققه رجل تجاوز الثمانين ويعاني من الضغط والسكري ومستشفيات الصحة أصلا ليس فيها أدوية ضغط وسكري حتى تسترضيه بها، وما المكسب الشخصي الذي يمكن أن يحققه شاب عاطل عن العمل والتعيين تم حصره بديوان الخدمة المدنية إلا إذا كان مطمعه من الحراك أن تجد له الحكومة عروسا!
تم اتهامهم لاحقا أن لهم أجندات خارجية، بحثت في هذه القضية الخطيرة ووجدت أن معظمهم لم يغادر المملكة إلا لأداء مناسك العمرة، بحثت جيدا لعل أحدهم يتلقى دعما خارجيا لتمويل الحراك، فوجدت أن الدول التي تهدف لزعزعة استقرار المملكة لم تدعمهم حتى بسندويشات فلافل من المطعم المقابل لساحة العين. راودني شك أن السماعات والميكروفون قد تكون مرسلة من جهات خارجية، ولكن تبين لي أنها السماعات نفسها التي استأجرتها يوم خطبتي، فلتلك السماعات عادة سيئة، وهي أنها في اللحظات الحاسمة والمصيرية يصيبها (زنّة)، وفي خطبتي كانت تعمل على أكمل وجه، وعندما صعدت للتلبيس أصابتها (الزّنة) نفسها، لذلك أستطيع تمييزها من بين مليون سماعة.
قبل موعد الغداء في الأفراح، نجلس ساعة على الأقل، ويصيبنا في تلك اللحظات الضجر والملل مع أنه بشكل مؤكد سنأكل اللحم والهبر، هؤلاء جلسوا ثلاثة أشهر ولم يملوا بعد مع أنه بشكل مؤكد قد لا يستجاب لمطالبهم وقد لا يأكلوا إلا الرشح والبرد.
هم أوّل من كسر الأنانية وأنكر الذات، فلا يوجد في الحراك حتى رئيس لجنة تنظيم، هم من أرسوا قاعدة أن مطالبهم ليست مطروحة بمزاد علني، فلن يرضي عنادهم الا تحقيقها جميعا، هم من انحازوا للوطن ومصلحته وسعوا لتمثيل الهم الوطني، فلا يوجد من بين مطالبهم ما يخص مدينتهم وحدها.
أنا على قناعة تامة، أن الحراك لو قام بتنزيل مطالبه من إسقاط الحكومة ومجلس النواب الى إسقاط عضو بلدية أو لا مركزية لن يتم تلبية هذا المطلب.
ولكنني على قناعة أنه قد أصبح لهم تأثير في الرأي العام أكثر من بعض الأحزاب التي لا نسمع عنها إلا حين تعلن وزارة التنمية السياسية عن قائمة الدعم المالي لها.
يكفيهم أنهم أصبحوا منبرا حرا، فيه تناقش الهموم المحلية، وفيه يتم الإشارة لمواطن الخلل، وفيه تصاغ الآهات من أنات جراحنا الوطنية.
الناس يتلهفون لمتابعتهم عبر البث المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي لأنهم شعروا أن هؤلاء هم نوابهم الحقيقيون، وهذا يكفي.

مقالات ذات صلة