أموال الضمان…. صالح عربيات
حين كنّا نلعب في الحارة كرة القدم، كان من يملك الكرة هو المهاجم وكنّا نفتح له الطريق حتى يسجل لأنه اذا غضب وأضاع إحدى الفرص سيأخذ كرته ولن نستطيع إكمال اللعبة، وكان هو الحكم متى ما نادت عليه أمه ليستحم تنتهي المباراة فورا، وإذا ما سجل الفريق الخصم هدفا في مرمى فريقه كان يلغي الهدف حتى لو بحجة أن لاعب الخصم لا يرتدي جربانا، وحين كان يحسب للفريق الذي يلعب معه ركلة جزاء كان هو الوحيد المكلف بتنفيذها، وأيضا كان هو المدرب ومن يتحكم بالتشكيلة، فإذا كان على عداوة مع أحدنا كان يضعه إما حارس مرمى أو على دكة الاحتياط أو أن يقف عارضة على جنبات المرمى.
وحين كان يذهب لزيارة منزل خالته، كان يتوقف الدوري في الحارة اضطراريا لحين عودته، وكان هناك مجموعة من أبناء الحارة يتطوعون لحل واجباته المدرسية حتى لا يتأخر في النزول للشارع، وإذا ما قام أحدهم بعرقلته من دون قصد كنّا نقوم بضرب من قام بذلك ونبطحه أرضا حتى يكون عبرة لمن اعتبر.
تذكرت صاحب الكرة وأنا أرى الفتاوى التي تتيح لصندوق استثمار أموال الضمان أن يستثمر كيف ما يشاء من دون الرجوع حتى لمجلس إدارة الضمان لأنه الوحيد الذي يملك المصاري في البلد.
جميل جدا أن نترك لصندوق الاستثمار حرية اتخاذ القرار من دون عراقيل، ولكن، ماذا لو تصرف كمالك الكرة واتخذ قرارات استثمارية خاطئة وغير مجدية؟!
إذا ما تقدم عريس لإحدى الفتيات، فإن أهل العروس يسألون عنه في مكان عمله وفي الحارة وبعضا من أقربائه، ولا يعني هنا السؤال والتشاور عرقلة زواج الفتاة بل الهدف معرفة إن كان العريس سيسعد الفتاة أم سينكد عليها عيشتها إن كان سيئ الأخلاق، والقرار في النهاية لها ولأهلها أي أنه إجراء روتيني.
هذا بالنسبة للزواج وكل ما سينتج عنه أولاد وبنات، فما بالكم باستثمار مليارات الدنانير سينتج عنها فنادق وبنوك ومجمعات. ما المانع كلما أراد الصندوق أن يستثمر في فندق على سبيل المثال أن يسأل مجلس إدارة الضمان وهيئة الاستثمار وديوان المحاسبة وأي جهات أخرى لها علاقة عن جدوى الاستثمار في هذا الفندق وغيره وفي النهاية يترك له القرار.
لا تستطيع تزويج فتاة الا بعد مشاورة أخوالها وأعمامها لأنه اذا تبين مستقبلا أن العريس سيئ لا تتعرض للملامة والنقد ولا أحد يعتب أنه ليش ما شاورتنا!
فلماذا لا يبعد صندوق استثمار الضمان عن نفسه الملامة والمحاسبة حين يقوم بمشاورة العديد من الجهات المرتبطة بالاستثمار.
ألمس جيدا حجم الهلع والخوف في قلوب الناس على أموال الضمان بعد تلك الفتوى، والألسنة تتناقل أن الهدف هو التحكم بالأموال طالما أصبح القرار متروكا بيدكم وحدكم.
من يشتري مجرد غسالة، يسأل من لديه النوع نفسه منها عن تنظيفها وتنشيفها واستهلاكها، وحتى حين ترغب بشراء الخضار والفواكه تسأل عن أفضل المحلات سعرا وجودة، فكيف نريد أن نشتري فندقا أو بنكا من دون أن نسأل أو نتشاور مع أي جهة.
شعور الناس أن أموالهم في أيدٍ أمينة ليس سهلا بعد سلسلة طويلة من البيع والخصخصة لم تكن نتائجها إيجابية.
وحتى يشعر المشتركون بالاطمئنان على أموالهم لا تمانعوا من الرقابة والتشاور والاستئناس برأي أي جهة، أما أن تتصرفوا كمن يملك الطابة، فالنتائج قد تكون مخيبة وغير عادلة!