إسرائيل ضد إسرائيل

مالك العثامنة

حرير- إسرائيل ضد إسرائيل، هذه ليست لعبة بلاغية لكنها واقع سياسي يتطور الآن، وبتسارع. وعدم مناقشة فكرة التفاهمات السياسية مع إسرائيليين من نخب سياسية ثقيلة الوزن “أو حتى متوسطة” في هجومها المتصاعد والسياسي الحاد ضد الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الحالية سيكون مضيعة لفرصة ثمينة.

“الصمود” الذي كلف قطاع غزة نفسها بكل ما فيها من بشر وحجر، له آجاله، وكذلك في المقابل ذلك “العناد” الإسرائيلي المتطرف والذي يكلف إسرائيل خسارة “الدولة” التي أقنعت العالم بها له أيضا آجاله.

ينتشر فيديو لمقابلة تلفزيونية مع عامي إيالون، وهو رئيس أسبق لجهاز الأمن الداخلي في إسرائيل يهاجم فيه وبقوة حكومة إسرائيل، بل ويصف وزيري المالية والأمن الداخلي بالإرهابيين، وهو وصف حقيقي وواقعي لا يجرؤ سيد البيت الأبيض نفسه أن يطلقه على أي من مجانين التطرف في تل أبيب.

لا يستطيع أحد أن يتهم إيالون باللاسامية، أو يهوديا كارها ذاته، هو جنرال عسكري كامل الأهلية حتى أن الإنجليز منحوه أوسمة لدوره في حروب خاضها لصالح التاج البريطاني. والرجل يتحدث من منطلق قناعاته التي صاغتها خبرته العملية الطويلة في التعامل المباشر مع الفلسطينيين، ويقول إنه لو كان فلسطينيا فإنه سيفعل كل ما يمكن فعله لنيل الحرية.

هذا تيار “سياسي” في إسرائيل يحاول لملمة نفسه من جديد، اختفى بتضاؤل تدريجي بعد اغتيال رابين، وانزياح متسارع للمزاج العام الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف بشقيه الديني والقومي، حتى انتهى إلى حكومة إرهابية كما يراها عالون نفسه.

قبل أحداث السابع من أكتوبر بشهور، وفي خضم الأزمة الداخلية في إسرائيل والاحتجاجات على تشريعات القضاء والعدل التي كانت حكومة نتنياهو تقرها، كنت أتابع تلك التحولات الهائلة في الداخل الإسرائيلي، ومن ذلك متابعتي لجلسة مغلقة نظمتها “فورين أفيرز” كان المتحدث فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، والذي انتقد حكومة التطرف اليميني لنتنياهو بقسوة لا تقل عن قسوة إيالون، بل وتنبأ بانفجار يشبه انفجار السابع من أكتوبر لكن باراك توقع انفلات الصاعق في الضفة الغربية.

هناك زحزحة لم تصل حد الانزياح، لكنها زحزحة متسارعة ضد كل هذا المزاج اليميني المتغطرس في إسرائيل، المزاج الذي سمح “لأقلية” كما يراهم إيالون أن يستلموا السلطة بكل قوتها وأدواتها، وما سمح لهم باستلام السلطة إلا نظام التحالف الذي لعب عليه نتنياهو بمهارة حتى الآن، ويبدو أنه الأرضية الوحيدة التي يقف عليها قبل أن يتهاوى تحالفه وحكومته وهو شخصيا إلى مصير السجن بتهم الفساد.

بعد جمود طويل للعملية السلمية التي قتلها التطرف الإسرائيلي نفسه، فإن العمليات العسكرية لا يمكن أن تظل في حالة الاستدامة، والصمود بطبيعته صمود حتى الوصول إلى نقطة ما يصبح فيها الصمود تكلفة غير عبثية بل لها عائدها المتوقع على صيغة حلول، وحلول نهائية هذه المرة.

كل ما يحدث الآن في غزة والضفة الغربية هو إعادة صياغة بأحدث تقنيات الموت وأدوات السياسة لإدارة التوحش، المنهجية الداعشية “ما غيرها” لكنها ارتدت ربطات العنق هذه المرة.

مقالات ذات صلة