
الدعم السريع يحاصر الفاشر لإخفاء الجرائم ومختبر ييل يستعد لكشف الجديد
حرير- كشفت شهادات متطابقة لضحايا وناجين ومنظمات حقوقية عن تنفيذ قوات الدعم السريع السودانية عمليات اختطاف جماعية وابتزاز منهجي بحق المدنيين في مدينة الفاشر، عقب سيطرتها الكاملة على المدينة، وسط مؤشرات متزايدة على سعي القوة شبه العسكرية إلى تنظيف مسارح الجريمة وإخفاء أدلة القتل الجماعي قبل وصول أي تحقيق دولي.
وبحسب شهادات جمعتها واشنطن بوست من تسعة ناجين وأقارب مختطفين ونشطاء، احتجزت قوات الدعم السريع آلاف المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وأجبرتهم تحت التعذيب على الاتصال بعائلاتهم للمطالبة بفِدى مالية، فيما جرى إعدام من عجز عن الدفع، أحيانًا أمام أفراد أسرهم.
حصار وانتهاكات واغتصاب.. روايات مؤلمة عن “جحيم الفاشر” في السودان
وفرضت قوات الدعم السريع حصارًا على الفاشر منذ مطلع 2024، و”منعت المدنيين من الفرار، مع تنفيذ عمليات قتل وخطف ممنهجة ضد من حاولوا المغادرة”. ومع انسحاب الجيش السوداني من آخر مواقعه أواخر أكتوبر، سقطت المدينة بالكامل، لتبدأ مرحلة جديدة من “الانتهاكات الواسعة”.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن نحو 270 ألف شخص كانوا داخل الفاشر ومحيطها عند سقوطها في 27 أكتوبر، بينما فرّ أكثر من 106 آلاف خلال الأسابيع اللاحقة، تاركين مصير عشرات الآلاف مجهولًا.
وفي تطور لافت، قال ناثانيال ريموند، مدير مختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل، إن تقديرات فريقه تشير إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، مؤكدًا أن المختبر سيصدر الأسبوع المقبل تقريرًا يوثّق ما لا يقل عن 140 موقعًا يُشتبه بأنها مقابر جماعية أو تجمعات جثث.
وأوضح ريموند أن “قوات الدعم السريع تنفذ عمليات منظمة لإزالة الأدلة”، قائلًا إن فريقه رصد “قوة بحجم لواء تعمل على تنظيف البقايا البشرية، في ظل اختفاء كامل للحياة المدنية: لا أسواق، لا نقاط مياه، لا حركة نقل”. وأضاف: “الهدف الواضح هو التخلص السريع من أكبر قدر ممكن من الأدلة قبل دخول أي جهة مستقلة إلى المدينة”.
شهادات من قلب الجريمة
ويروي عامل طبي يبلغ من العمر 37 عامًا أنه نجا من الإعدام فقط بعد أن أقنع المسلحين بأنه يعالج الجميع، بمن فيهم عناصر الدعم السريع. وقال إن شقيقه الأصغر خُطف وقُتل رغم دفع العائلة فدية. وأضاف أن نحو 30 شخصًا أُعدموا فور القبض عليهم أثناء محاولتهم الفرار.
شهادة أخرى لرجل في السادسة والعشرين من عمره كشفت عن دهس مدنيين بمركبات مدرعة أثناء فرار جماعي من المدينة.
وقال: “سُحقت أختي أمامي. لم أستطع إنقاذها”. وأضاف أن مجموعته تقلصت من 150 شخصًا إلى نحو 30 فقط.
“ابتزاز عرقي وإعدامات فورية”
تفاصيل متعددة أكدت اعتماد قوات الدعم السريع على “الفرز العرقي”؛ حيث أُجبر المعتقلون على تحديد قبائلهم، وكان الإعدام مصير من ينتمون إلى قبائل أفريقية مثل الزغاوة، أو من يُشتبه بعلاقتهم بالجيش. كما أفاد ناجون بوجود سجون مكتظة، أبرزها سجن دقريس في نيالا، حيث يحتجز آلاف المدنيين، ولا يُفرج عنهم إلا بعد دفع فدية عبر تطبيقات مالية، وسط تعذيب وأوبئة ومقابر جماعية امتلأت بسرعة.
تأتي هذه الجرائم في ظل فشل العقوبات الأميركية المتكررة ضد طرفي النزاع في وقف الانتهاكات.
وفي واشنطن، تتزايد الانتقادات داخل الكونغرس، بينما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيعمل مع شركاء إقليميين “لإنهاء هذه الفظائع”، عقب مناشدة مباشرة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أثناء زيارته إلى واشنطن.



