أمور مريبة وغامضة!!
محمد أبو رمان
بالرغم من تصميم وترسيم السياسة الخارجية الأردنية بدرجة كبيرة من التوازن والدقّة، لمواجهة التحديات والمتغيرات الكبيرة في المنطقة حولنا، وبالرغم من النجاح الواضح للدبلوماسية الأردنية على أكثر من صعيد، على الأقل في اتخاذ القرارات المناسبة والخيارات الصائبة، إلا أنّ هنالك تطورات وتحولات تحتاج إلى تفكيك وقراءة معمّقة، لأنّها تشي بأمور مريبة وغامضة وغير مطمئنة.
المتغيرات الأولى مرتبطة بالملف السوري، وتحديداً التصريحات غير المفهومة من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول الانسحاب العسكري من سورية، التي أعاد تأكيدها مرتين؛ إذ كانت المعطيات جميعاً تشير إلى وجود أميركي ممتد، والتوسّع فيه في المرحلة المقبلة، وتوسيع ما يسمى المنطقة المحرّمة في جنوب شرق سورية من 50 إلى 100 كم، وهي المنطقة الممتدة على البادية السورية المحاذية للأردن، فأي انسحاب عسكري أميركي من هذه المنطقة يعني مشكلات أمنية حقيقية للأردن، في محاولات كل من خلايا داعش والميليشيات القريبة من إيران لملء الفراغ.
المسؤولون الأردنيون ليست لديهم إجابات عن هذه الأسئلة المهمة، بخاصة عند الحديث عن محيط منطقة الركبان، لكنّهم يطرحون تساؤلات، كما هي حال الدبلوماسيين الغربيين، الذين يرون تصريحات ترامب مقطوعة من السياق، ومتضاربة مع ما كان يتحدث به سابقاً عن تحجيم النفوذ الإيراني في سورية، بينما في كلامه الأخير أشار فقط إلى المعركة مع داعش، وليس مع إيران!
إذا تجنبنا الأسئلة البديهية حول هذه التصريحات، فإنّ إشارة ترامب إلى أنّ على السعودية دفع فاتورة القوات الأميركية في سورية، هي التي تثير احتمال أنّ المقصود بها هو ابتزاز السعودية أيضاً، والحصول على أموال أخرى منها، لأنّ المال هو جزء أساسي من تفكير الرجل، كما هو واضح.
وفي حال كانت النيّة لديه جديّة، فإنّ هذا يحفّز القول بالتفسير الثاني؛ أي الخروج من سورية، والتسليم بالنفوذ الإيراني- الروسي فيها، وهنا يكمن السؤال المهم أيضاً عن “اتفاق درعا”، الذي يمسّ الأمن الأردني، لأنّ الأمور عاجلاً أم آجلاً، لن تستمر هكذا، وإذا بقي الحل السياسي معطلاً، والأزمة الروسية-الغربية قائمة، فإنّ الحسم العسكري سيكون سيد الموقف، والنقطة الوحيدة المتبقية أمام الجيش السوري والإيرانيين، إذا تجاوزنا إدلب والمناطق التي تدخل ضمن النفوذ التركي، هي درعا، فما هي خيارات الأردن واحتمالات التعامل مع هذا السيناريو؟ من المفترض على الأقل أن نناقش ذلك.
الملف المريب الثاني هو ما يحدث على صعيد القضية الفلسطينية، والتصريحات العربية المتضاربة، بين الاعتراف بحق إسرائيل في الحياة، ثم الاستدراك بالتأكيد على الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وفحوى رسائل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التي نقلها مدير المخابرات المصرية إلى الرئيس محمود عباس، وتتعلق بتعديلات على أفكار “صفقة القرن” وملف غزة، مع وجود تأكيدات على تنسيق مصري-سعودي للتعامل مع هذه الملفات، وهي أمور لا تجد سوى إجابات تقليدية لدى الدبلوماسيين الأردنيين، حولها، لكنها في المجمل مقلقة ومريبة وغامضة، بعيداً عن التجميل الدبلوماسي لها، وتشي بأنّ هنالك تحجيماً للدور الأردني، وازدواجية سافرة في الخطاب العربي بين واحد يقدّم في أروقة معينة، وآخر بلغة مختلفة تماماً.
سنعود للأزمة العربية لاحقاً، عندما نناقش قمة الرياض الوشيكة، لكنّ من الواضح اليوم أنّ هنالك حصارا غير معلن للدور الأردني والمواقف الأردنية مع ارتفاع وتيرة الغزل العربي- الأميركي- الإسرائيلي، وأنّ هنالك رائحة لطبخة ما، ونحن خارج المطبخ!