
كير ستارمر عندما يقول الحقيقة!
فتحي أحمد
حرير- في الذكرى السنوية لطوفان الأقصى، دعا رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر دعم المجتمع اليهودي، وأن يتوحد الشعب البريطاني وينبذ الكراهية ضد اليهود، ووضع حد لمعاداة السامية. ليس غريبا على ستارمر وغيره، فالمشروع الصهيوني تكوّن في رحم بريطانيا العظمى وترعرع فيها. كمشروع ديني سياسي، الهدف منه إبقاء المنطقة العربية في حالة عدم استقرار وفوضى.
العبء اليهودي على أوروبا
لا أرى ضيرا من التطرق إلى الأسباب التي دفعت بريطانيا العظمى وقتئذ لإصدار وعد بلفور، العامل الداخلي المتمثل في التخلص من العبء اليهودي داخل بريطانيا، كفيل ليسوّق في أوروبا عموما التي كانت تكره اليهود نتيجة فسادهم الكبير، ورغبة الغرب في التخلص من اليهود، واليهود بالمجمل منبوذون في الغرب، ويعتبرهم الأوروبيون جنساً أدنى، وأنهم سبب للكثير من المشاكل الأمنية، فكان الغرب بحاجة للتخلص منهم ووجد الغرب ضالتهم في اليهود لتحقيق أهدافهم الاستعمارية؛ فأنشأوا الصهيونية لاستخدامهم كجماعة وظيفية لخدمة مصالح الغرب في الشرق. أما الوجه الآخر فيرتكز على التقارب الأيديولوجي بين الجماعات اليهودية الدينية، التي تنازلت طوعا عن عودة المسيح كشرط أساسي للعودة لفلسطين، وبريطانيا البروتستانتية التي تلتقي مع هذه الجماعات فكريا في احتلال فلسطين، متنازلة هي أيضا عن الشرط المتعلق بعودة المسيح المخلص.
بعد انتداب بريطانيا لفلسطين في 11 ديسمبر 1917 ودخول أللنبي لفلسطين، فرح رئيس الوزراء البريطاني وقتها فرحا كبيرا بسقوط القدس في مناسبة عيد الميلاد، وكتب في مذكراته أنه استطاع «تحرير» أقدس مدينة في العالم، و»أنه بتحريرها تمكن العالم المسيحي من استرداد أماكنه المقدسة». من خلال هذا التصريح يبدو أننا نقف على عتبات الحقيقة فالأمر سيان.
إلحاح وايزمان
هنا ينبغي التذكير بما جرى في الثاني من نوفمبر 1917حيث أعلن وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور وعده المشؤوم، الذي تحل ذكراه خلال أسابيع بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وجاء ذلك برسالة وجهها للورد الصهيوني ليونيل والتر روتشيلد ونصت على: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية، التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر». ساعدت اكتشافات وايزمان العلمية وبالأخص مادة «الأسيتون» في الحرب العالمية الأولى، التي كانت بريطانيا بحاجته وقتها، في تقربه من القيادات السياسية والعسكرية البريطانية، التي راح يلح عليها في استصدار قرار بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين فهذا المشروع الغربي الذي أوجدته بريطانيا وتدعمه الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها، وجد ليبقى، فالحشد البريطاني لدعم اليهود متعلق بالتراث الديني البروتستانتي تحديدا، بقاء المشروع الصهيوني واقفا صامدا حتى اللحظة، يمثل نجاحا باهرا لبريطانيا. لقد أفل عهد الإمبراطورية التي لا تغيب عن مستعمراتها الشمس، ولم يبق لها سوى إسرائيل لتدخل به التاريخ.
دعم لوجستي
على هذا الصعيد إذن، ما زال الغرب لم يتدخل بشكل مباشر لمساعدة إسرائيل وإخراجها من وحلها في غزة ولبنان، رغم المساعدات العسكرية واللوجستية إلا أن هذا مجرد دعم محدود، انتهاء إسرائيل ـ وأميل هنا إلى التعميم ـ يعني انتهاء المشروع الغربي، وهذا ما لا يريده الغرب، رئيس وزراء فرنسا السابق مانويل فاليس يصرح لمجلة «لو بوان»: «إذا سقطت إسرائيل، سقطنا معها». ومن ضمن أيضا العوامل التي دفعت بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في إسرائيل العامل الخارجي، بجانب العامل الداخلي، يصح الافتراض بأن العامل الخارجي ينص خفية على تفتيت الدول العربية، وإيجاد حاجز بشري يمنع توحدها، لأن توحدها يشكل خطر على المصالح الأوروبية والأمريكية مجتمعة.
الوهن العربي
لا يوجد لبس في تصريحات رئيس وزراء بريطانيا حول الدعم البريطاني للمجتمع اليهودي، ولا يقصد هنا المجتمع اليهودي داخل بريطانيا، ولم يقل دعم بلاده لإسرائيل كدولة، الخلاف ليس في انتقاء المفاهيم، بقدر ما هو دعم مطلق للحركة الصهيونية، بكل أذرعها اليمينية الدينية، واليمينية العلمانية، وحتى اليسار الصهيوني، وينطوي ذلك في المفهوم العام، الذي يشكل المجتمع اليهودي بكل أطيافه، على اعتبار أنها قومية، حسبما تدعي الصهيونية بصرف النظر عن أماكن تجمع اليهود، في الشتات، أو داخل فلسطين التاريخية، من هذا المنطلق علينا أن نفهم مغزى تصريحات القادة والمسؤولين الغربيين، التي تكيل بمكيلين، فالقضية الفلسطينية هامشية في برنامجهم السياسي. فإلى متى نبقى نعيش في عالم، لا يهاب إلا الأقوياء؟
					
					
					


