نبتدي منين الحكاية.. يوسف غيشان

نحن العرب، أيضا نطالب بالديمقراطية، ولا يوجد حزب أو هيئة أو منظمة مجتمع مدني  عندنا، الا والديمقراطية جزء من مسماه الوظيفي أو أحد مطالبه، وأحد «مقتنيات « نظامه الأساسي. وهذا يشمل الجميع من أقصى اليمين الى اقصى اليسار، ومن أساطين الأحزاب الشمولية الى عتاة الليبرالية الجديدة. الجميع يطالب بالديمقراطية، ويناضل من أجل تحقيقها…كما يقول.

المشكلة،لا بل المعضلة، لا بل النكتة، هو أننا نطالب بالديمقراطية، ونحن لسنا بديمقراطيين بتاتا.لا بل ان كل واحد فينا يحمل بداخله ديكتاتورا صغيرا  يتهيأ للوصول الى مركز القرار عن طريق الديمقراطية ليفتك بالاخرين بلا هوادة،على طريقة ادولف هتلر تماما، الذي وصل للسلطة بانتخابات، ثم أباد الجميع عدا حزبه النازي  ثم اباد الملايين بمن فيهم شعبه الألماني.
بالطبع، نحن من اكثر الشعوب تكرارا لعبارة فولتير: (قد اختلف معك في الرأي، لكنني على استعداد لأبذل دمي في سبيل حقك في التعبير عن نفسك) ونحن لا نقصد ذلك قط، ونمارس عكسه تماما، ونحن على استعداد لتكفير وتخوين وشيطنة كل من يخالفنا الرأي، حتى في الأمور البسيطة والعادية.
بعض البرلمانات العربية وبعض مجالس الشعب وما شابهها، هي مهازل تصنعها الأجهزة الأمنية في اعتداء سافر على حق الشعوب في التعبير عن نفسها، وهي عملية فساد سياسي كبرى،اخطر من الفساد الاقتصادي، لأنها تهدر كرامة الإنسان، وقيمته المعنوية، وتحوله الى كائن مهدور تماما.
أما الاعتراف الأخطر، فهو أننا نحن الشعوب العربية، لا نختلف كثيرا  في موقفنا من الديمقراطية، لا بل ان الأنظمة تتقدم علينا في مجال الديمقراطيات النسبية، وتتجاوزنا. وهذا اعتراف مؤلم تماما…أننا نريد ان نبني مؤسسات ديمقراطية..بدون ديمقراطيين.
هناك مسرحية للكاتب الكبير نجيب سرور بعنوان (منين أجيب ناس)، قرأتها قبل عقود، ولا اذكر محتواها، لكن اسمها خطر في بالي وأنا اكتب هذه الكلمات، وقلت في نفسي : فعلا..منين أجيب ناس؟؟؟  وأين اجد الديمقراطيين الذي ابني بهم المجتمع الديمقراطي الذي اطالب به؟؟؟ قد تكون بعض الأنظمة ساهمت –خلال عصور- في افقار المنطقة تماما من بذور الديمقراطية، لكننا نتحمل – نحن الشعوب العربية – القسط الأكبر من الذنب في اننا صبرنا كل هذا الزمن…. ثم طالبنا بالديمقراطية دون ان نزرع الديمقراطية في قلوبنا وقلوب ابنائنا.
بالمناسبة أنا لا أملك الحل لهذه المعضلة، ولا اعرف كيف يمكن ان نزرع الديمقراطية في انفسنا من الداخل قبل ان نطالب بها، لكن اقول قولي هذا، لغايات الاعتراف بالمشكلة، لعلنا نبحث عن الحل معا دون تخوين او تكفير او شيطنة للآخرين.
لعل وعسى!.

مقالات ذات صلة