أمهات ما قبل “السوشي”.. إبراهيم جابر إبراهيم

في العالم في هذه الساعة 821 مليون إنسان لا يجدون ما يأكلونه.

وفي الساعة نفسها تستعد المذيعة الشيف بطلاء أظافرها وخواتمها الكبيرة لأربع كاميرات تصوّرها من كل الجهات وهي تقطّع الفراولة لتعدّ كيكة مستفزّة!
وجاء في تقرير “حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2018” الذي أصدرته، قبل أيام، منظمة الصحة العالمية بالشراكة مع خمس وكالات عالمية للصحة والتغذية مثل اليونيسيف والفاو وايفاد، أن ملايين الرجال والنساء في هذا العالم يخرجون كل يوم من أجل الحصول على وجبة طعام لأطفالهم.. وأن نسبة كبيرة منهم تعود بيدين فارغتين!
لكن المذيعة الشيف تتلو على الجمهور الجائع لائحة بالمكوّنات، ويصل الرقم الى حوالي 20 مادة غذائية، لم نسمع قبل ذلك بـ 17 منها، لتعدّ لنا كيكة حمراء مستفزّة!
وبحسبة لعدد السكّان في العالَم، فإنَّ واحداً من بين كل تسعة أشخاص على الأرض يظلُّ جائعاً كلَّ يوم.
لكن هذه الإحصائية تخصّ فقط “جياع” العالَم، الذين هم حتماً لا يستطيعون تدبير قوت يومهم، أو غدهم، ولا تشمل ملايين الفقراء، فهؤلاء لهم إحصائيات أخرى تصنّفهم حسب الرواتب ومعدّل الدَخل، وتصنّف الفقر نفسه إلى أنواع، ويتم التعامل معهم كـ “حالات مستقرة “، فقيرة .. ولكن مستقرّة على نحوٍ ما لا يجعلهم يموتون من الجوع !
وفي الوقت نفسه.. الذي يعود ملايين الآباء الى بيوتهم بيدين فارغتين، تقول المذيعة الشيف على مضض إن بالإمكان ان تقتصر حشوة السمك على الفليفلة الحمراء والخضراء.. إن لم تتوفر الصفراء!
ولا أحد يعرف كيف بالضبط تَعلَّم الإنسان هذه القسوة!
كيف يستمتع بهذا العرض اليومي على التلفزيون، على عشرات القنوات، وهي تعدّ له مائدته، دون أن يلتفت لملايين الناس على قنوات أخرى كانت ستكفيهم قشور فاكهته للنجاة من الموت!
البرامج التي تتنافس على أفضل طريقة لـ”تتبيل الدجاج” لا تستفزّ الـ 821 مليون جائع، فهؤلاء أصلاً لا يملكون أجهزة تلفزيون، لكنها تثير غيظ الفقراء الذين يشاهدون كل يوم أنواعاً من الفاكهة والخضار واللحوم لم يسمعوا عنها من قبل!
تتعامل المذيعة الشيف مع جمهور المشاهدين على أنهم جميعاً من طبقة واحدة ثرية، قادرة فوراً على شراء كل “المكوّنات” دون تلكؤ، فتقترح للسلطة كل ألوان الخضار، ثم تضيف لها كل أنواع الجبن، ثم ترمي فوق صينية الدجاج بكبشة كاجو وصنوبر تكلّف نصف راتب واحد من المشاهدين!
لماذا لا تأخذ المذيعة بالإعتبار أن هناك عائلات كثيرة جداً لا تُعدّ السوشي في مطابخها، وغير قادرة على شراء الفراولة لإعداد الكيكة الحمراء، وأنها لا تعرف كثيراً من “المكوّنات” المتعالية التي تعدّدها.. وأنها تبحث عن طعامها التقليدي الذي تعرفه المذيعة جيداً لكنها تتجاهله !
لماذا لم نعد نرى الباميا أو الفاصوليا أو الفول الأخضر على طاولات الطبّاخين النجوم، وهل على المشاهدين كلهم أن يتحوّلوا لأكل الفاهيتا الملوّنة أو كرات اللحم المغمّسة بسائل تفنَّنت المذيعة بإعداده من 20 مادة من 20 قارورة غامضة!
لو أن المذيعة فقط تتعاون قليلاً، وتتفهّم مشكورة أن هناك بيوتاً تقتصر مطابخها على الملح والفلفل الأسود، وأن من المستفزّ تذكير هؤلاء الناس في كل حلقة بأنهم فقراء، وأنهم لا يستطيعون وضع سبعة أنواع من الفاكهة في الخلّاط معاً!
ولو أن تلفزيوناتنا تراعي مشاعر أمهات فقيرات، يتحلّق حولهن أطفال متطلّبون، يريدون تجربة كل شيء، ومعرفة كل طَعم، فتطبخ لهم ما يعرفونه وما يقدرون عليه.

مقالات ذات صلة