إبداع المقاومة أم فشل العدو

سائد كراجة

حرير- العالم فارغ فاه، أسقط في أيدي أعتى مراكز الاستخبارات، والعالم لديه أسئلة أكثر مما لديه من إجابات، في الساعات الأولى كانت العملية كأنها من طرف واحد، وكأن مخدرا ما أعطي لجيش العدوان الصهيوني واستخباراته وقببه، التي تمول بدعم أميركي غاشم ببلايين الدولارات سنويا، هذا بحد ذاته انتصار؛ ليس انتصارا عسكريا وحسب، بل سياسي بامتياز وقيمته الأساسية أن الفلسطينيين بغض النظر عن تحالفاتهم العسكرية والسياسية ليسوا مجموعة سكان يواجهون ظاهرة طبيعية بيئية كزلزال أو إعصار، إنهم شعب تحت الاحتلال والقانون الدولي يضمن لهم حقهم بالمقاومة الشعبية، وإن وقف العدوان على المدنيين من جميع الأطراف مفتاحه في يد إسرائيل، وذلك بوقف الاحتلال.

ماذا أنجز طوفان الأقصى للآن، الكثير؛ طوفان الأقصى استعاد شعور معركة الكرامة بإسقاط فرضية أن جيش العدوان لا يقهر ولو في واقعة ولو في معركة واحدة، وأن إرادة الشعب التي كنا نحسب الحديث عنها حديث شعراء، هي قوة عسكرية في الميدان لا يستهان بها، ولهذا فإن الذاهبين للمفاوضات أو السلام صار عندهم «كرت» جديد للمفاوضات للخروج من اتفاقيات الوهن المسماة اتفاقيات سلام.

طوفان الأقصى قبر مفهوم التعامل مع الشعب الفلسطيني كشعب منكوب إنسانيا – على صحة ذلك – وأعاد تكريس مفهوم أنه شعب منكوب بسبب الاحتلال، وأن تحسين ظروف عيشه لا يشكل بديلا عن إنهاء الاحتلال، وانه رقم صعب في صفقات التطبيع في المنطقة، طوفان الأقصى أعطى لكل الأنظمة العربية مفهوما جديدا في المفاوضات، ونأمل أن يعلي سقفهم.

تبقى إشكالية تحالفات حماس مع إيران التي تشكل تحديا كبيرا لكثير من الدول العربية المتحالفة مع أميركا والغرب، هذا التحدي يجب التعامل معه في ضوء أن الثابت الوحيد في السياسة هو أن كل شيء متغير، وأن أميركا تعاملت مع الإخوان المسلمين في مصر وأقصت أقدم حليف لديها، خاصة أن التقارب السعودي الإيراني دليل على أن تنظيم علاقة جديدة مع إيران، وبالتالي فإن علاقة ما مع حماس ليس بالقضية التي تدخل في مجال المستحيلات.

أردنيا فإن رؤية جلالة الملك للصراع العربي الإسرائيلي باعتباره أساس السلام في المنطقة ورفضه – رغم تعرض الاردن لضغوط لا يمكن احتمالها اقتربت من تعريض مصالح أردنية عليا للخطر – أقول إن هذه الرؤية اليوم ستكون مرجعية دولية في التعامل مع القضية الفلسطينية، باعتبار أن لا مجال للقفز عن الشعب الفلسطيني، وان الحل هو العودة لحل الدولتين، هذه المواقف لجلالة الملك والأردن ستزيد من مركزية وفاعلية الدور الأردني في المنطقة والعالم، الأمر الذي يتطلب إعادة دراسة معمقة داخليا للاستعداد لدور قيادي دبلوماسي – نرجو أن لا يتأخر-، وأعتقد أنه بدأ الآن في محاولة لوقف الهجوم النذل الذي يقوم به نتنياهو على غزة.

أعرف أن هناك – ومن باب التعاطف مع المدنيين – كلاما بالهمس بعدم جدوى العملية، وأن تكلفتها عالية، وهذا قد يكون صحيحا في عدة نواح، ولكن الفلسطيني في غزة لا يملك في ظل حكومة يمينية متطرفة الكثير من الخيارات، وعندما تتساوى قيمة الحياة والموت يختار الإنسان الموت بكرامة، خاصة وأن أهل غزة لا يطلبون شهداء من أحد!

في حديث مع صديق مطلع قال لي: أولا «إسرائيل دولة احتلال» فقد قضمت من مساحة غزة عام 1948 نصف مساحتها الحالية، و»إسرائيل» تحاصر غزة في أكبر سجن مفتوح في التاريخ، ولهذا فإن مقاومتها الشعبية مشروعة في القانون الدولي، وقد قال أيضا: ما حصل ليس فشلا عند العدو، ولكنه إبداع للمقاومة والعمل المقاوم، فعلا إنه إبداع إبداع، فاهم عليك جنابك!!

مقالات ذات صلة