بنك الحمير.. أحمد حسن الزعبي

حرير _ كنت في عمر خمس سنوات عندما تعاملت مع أول حمار في حياتي ، أذكر المشهد بالتفصيل ، وضعت أمي رحمها الله كيس من القمح على ظهر الحمار المستعار وركبت أنا فوق الكيس ،ثم قادتنا تجاه مطحنة البلد الغربية ،صعد الحمار طلوع حاد دون تقصير أو تبرير ومضى بطريقه بين بيوت الحجر والطين ، كان منهمكاً جاداً يريد الوصول بأسرع وقت ممكن..فأفلت “الرسن” من يد أمي وسار وحده في الاتجاه الصحيح دون “جي بي اس” أو مدلّة من أحد..كنت فوق الكيس أرى الطرق تنشق أمامي والمارة ينظرون إلي بغبطة وإعجاب ،وللأمانة كان الحمار شغّيلا،لا يعرف التوقف ولا الحرن ، يمشي بشكل مستقيم ويحافظ على الأمانة التي على ظهره والمتمثلة بشخصي الكريم وكيس القمح (رزق العائلة) والدليل أنه كان عند المنحدرات يحاول أن يستخدم الغيارات العكسية كي لا أسقط أو يسقط الكيس عن ظهره ويهرب ، كان يعمل توازناً رهيباً يسجّل له…ومن شدّة استقامة الحمار مررنا بوسط السوق ،كان ثمّة عمال يجبلون “جبلة” باطون في منتصف الشارع ،فعلياً هم قاموا بالاعتداء على الشارع وأغلقوه ،ولأن الحمار مستقيم ولا يعرف المواربة ضرب برأسه أحد العمال وأسقط عن كتفه “تنكة الباطون” ومضى بطريقه المرسوم ،فهو لا يلتفّ على الخطأ ،ولا يتوقف في أول عقبة ، كما لا يعنيه كائن من كان أن يقف في طريقه..

دُهش عامل الباطون ونظر الى الحمار ونظر اليّ دون ان يتكلم كلمة واحدة ثم عاد ليملأ “تنكته” من جديد..وصلنا المطحنة بخير وسلام في وقت قياسي وبعدها بدقائق وصلت أمي وهي تبتسم للمشهد الذي حدث في وسط السوق… لقد كانت رحلة لا تنسى مع كائن مخلص، وفيّ ،كفؤ، أمين، عارف شغله، لم يتلوّث بطرائق البشر..
تذكّرت هذه الحادثة..عندما قرأت أن وزارة الزراعة تعتزم من خلال المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي إنشاء “بنك وراثي للحمير البلدية” لحمايتها من الانقراض بعد أن لوحظ – على حدّ تعبيرهم- تراجع الحمير البلدية إلى حوالي 1000 حمار فقط على مستوى المملكة..لماذا كتبت على (حدّ تعبيرهم) ؟ لأنني أعتقد أن الحمير أكثر بكثير من الرقم المذكور أعلاه، فالكثير من الحمير الفالتة لم يتم عدّها أو شمولها من ضمن الحمير البلدية وبالتالي الرقم غير دقيق..لذلك أتمنى من منصّة حقك تعرف أن تفنّد الإشاعة المتداولة وتطمئننا على وضع الحمير ، وكونها على اطلاع جيد ليتها تذكر لنا العدد الفعلي للحمير وتقطع الشك باليقين..
الله يرحمك يا حمار المطحنة..بعد ما جرّبت غيرك عرفت خيرك..

مقالات ذات صلة