دور الجثة في معاملات التحقيق الجنائي

بقلم المحامية ماويا العقاربة

كرست التشريعات الجزائية قواعد خاصة في الإثبات الجزائي لاختلاف جوهر الدعوى الجزائية عن جوهر الدعوى المدنية مما يستدعي استقلال قواعد الإثبات المتعلقة بها.
وينصب الإثبات الجزائي على وقائع الجريمة بما تشمله من ركن مادي ومعنوي وظروف مشددة أو مخففة.
ولعل من أبرز الوسائل التي يستند إليها الإثبات الجزائي والمستقاة من علم مسرح الجريمة هو الاعتماد على الأدلة والدلائل المستخلصة من محل الجريمة مثل الجثة في جريمة القتل.

فإذا ما وقعت جريمة قتل فإن أول إجراء يسعى إليه المحقق هو الانتقال لمسرح الجريمة ومعاينة الجثة والحفاظ عليها من المساس بها لتجنب ضياع أية علامات أو دلائل تسهم بالوصول إلى الحقيقة، وقد وألزم المشرع الجزائي الأردني أن يتم فحص الجثة من قبل طبيب مختص في حال وقوع جريمة قتل أو الاشتباه بوقوعها وإصدار تقرير خبرة بحالة الجثة سندا لحكم المادة (٤٠) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، وذلك لما لها من أهمية في إثبات الوقائع المتعلقة بالجريمة.

فيمكن من خلال الجثة إثبات الزمن الذي وقعت به الجريمة من حيث طبيعة التغيرات التي جرت عليها كانتفاخ الجثة ونوع الحشرات التي تم ضبطها على الجثة، وإثبات ما إذا تم نقل الجثة بعد ارتكاب الجريمة من حيث شكل كريات الدم.

كذلك فإن وجود الجثة يهم في إثبات مدى مطابقة البينات الأخرى للواقع وانتاجيتها في الإثبات كالاعتراف فقد يعترف المتهم بارتكابه لجريمة القتل بطريقة معينة كإطلاق النار على المغدور إلا أن التقرير الفني يثبت أن المغدور قد مات حرقا.

ومع ذلك فقد استقر الفقه والقضاء والتشريع الجزائي على أن عدم وجود الجثة لا يقدح عن إثبات جريمة القتل، ويمكن استخلاص هذا الحكم من الحالة الأولى من حالات إعادة المحاكمة الواردة في المادة (٢٩٢) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه (يجوز طلب إعادة المحاكمة….:
أ- إذا حكم على شخص بجريمة القتل وقامت بعد ذلك ادله كافيه تثبت أن المدعى قتله هو حي)
فلو أن المشرع أراد اشتراط توافر الجثة لإثبات جريمة القتل لاستحال تحقق هذه الحالة من حالات إعادة المحاكمة وانتفت الغاية من هذا النص.

إلا أن عدم وجود الجثة قد يصعب إثبات الجريمة ويعرقل عمل السلطات، وترتيبا على ذلك فقد جرم المشرع الأردني إخفاء جثة القتيل باعتبارها أحد صور التدخل في جريمة القتل سندا لحكم المادة (٨٠/ه)من قانون العقوبات .
ويستفاد من السياسة التجريمية التي تبناها المشرع الاردني أنه إذا قام الجاني نفسه بإخفاء الجثة فإن ذلك لا يشكل جريمة، أما إذا قام شخص آخر بإخفاء الجثة فإن ذلك يشكل جريمة باعتباره متدخلا في جريمة
القتل.
أما المشرع المصري فقد نص عليها باعتبارها جريمة مستقلة عن جريمة القتل سندا لحكم المادة (٢٣٩) من قانون العقوبات المصري ، إلا أن ذلك لا يعني أنه إذا قام القاتل نفسه بإخفاء الجثة فإنه يعتبر مرتكبا لجريمة إخفاء الجثة فقد تصدت لذلك محكمة النقض المصرية بقولها(أنه إذا أتى الفاعل فعل الإخفاء أو الدفن فلا يسأل عن هذه الجريمة إذ تعد في هذه الحالة من ذيول فعل القتل وحلقة أخيرة في المشروع الإجرامي وتصرفا طبيعياً من جانبه ولذلك كانت هذه الجريمة مفترضة أن مرتكبها شخص غير القاتل، الطعن رقم ٢٢٨٧٨ لسنة ٧٣ قضائية) ، وبالتالي فإن موقف المشرع المصري مشابه لموقف المشرع الأردني في هذا المجال.

إلا أن موقف المشرع المصري من اعتبار هذه الجريمة جريمة مستقلة عن جريمة القتل أفضل من موقف المشرع الأردني الذي اعتبرها من صور التدخل في جريمة القتل، ذلك أن الخطورة الجرمية في هذه الحالة تنبع من ذات الفعل فهو يعرقل عمل السلطات، على عكس أفعال التدخل والتي عادة ما تكون أفعال مشروعة بحد ذاتها إلا أن المشرع يسبغ عليها الصفة الجرمية بسبب الغاية الجرمية التي ارتكبت من أجلها هذه الأفعال والتي تستهدف مساعدة الجاني

مقالات ذات صلة