نظرية الزنبرك…جمانة غنيمات
نظرية الزنبرك…جمانة غنيمات
كثيرة هي الفرص التي أضعناها ونحن نبحث عن أنموذج اقتصادي مستدام ومستقر ومعتمد على ذاته، وظل شعار الاعتماد على الذات نظريا تتحدث به الحكومات ويهجس به المسؤولون من دون أن يضعوا له الدعائم الحقيقية.
بالعودة إلى سنوات خلت، سنكتشف أن عشرات الخطط وضعت ولم تنفذ، ومليارات الدنانير جاءت كمنح لم نستثمرها في بناء اقتصاد مستدام وتحقيق تنمية حقيقية تكفينا شرور المجهول.
اليوم، نكتشف أننا نعبر ذات المأزق، وذات الازمة، وأن قدرة الاقتصاد وحصانته بالكاد تكفي لنمضي. صحيح أننا عبرنا كل السنوات الماضية، لكن ذلك لا يمنع من تقييم أدائنا فيها، علنا نستقي العبر ولا نعود خطوات للخلف، وهذا ما حدث خلال السنوات الماضية بدلا من التقدم للأمام.
اليوم ما تزال البيئة غير مرحبة بالاستثمار. خطط على الورق لم يتحقق كثير من أهدافها، بل على العكس فالمشاكل يتسع مداها؛ دين يرتفع، وخدمته ثقيلة، وعجز كبير نحتاج معه طرق أبواب مؤسسات الإقراض لتغطيته، وتتقدم على ذلك معدلات فقر وبطالة تنهش مجتمعنا وتتجلى إرهاصاتها في عديد مشكلات اجتماعية.
يقول مسؤول حكومي مهم: نكتشف بعد سنوات أن الحال يتعقد أكثر وأن المعيقات ما تزال ماثلة. هذا القول يحسب له، أقله أنه لا يعيش حالة إنكار للحالة الاقتصادية والمشاكل التي تزداد.
المسؤول قدم نظرية طريفة وصف بها حال إدارة الملفات في البلد بـ”نظرية الزنبرك”، وهو الموظف العام سواء كان في أعلى السلم الوظيفي أو أدناه، فهذا الزنبرك قادر على دفع الأشياء إيجابيا أو ركلها وإعادتها لنقطة الصفر، عدا عن الفوضى التي يستطيع إحداثها بحركته العشوائية، والخراب المتوقع من ذلك.
يدرك المسؤول أن المزاج سيئ، والثقة في أدنى درجات السلم، لكنه لا يستسلم لحالة اليأس ولما يمكن أن يتم خلال الفترة المقبلة، لذلك تسمعه يتحدث كيف فكر وخطط لإدارة المرحلة بكل تعقيداتها.
على الطاولة يضع ثلاثة ملفات رئيسة، أولها وليس بالضرورة أهمها، خطة التحفيز الاقتصادي التي أخضعها لتدقيق وتمحيص كبيرين، ليحدد ما هو ممكن وما هو نظري غير قابل للتطبيق. وتبعا لتلك المراجعة وضع جدول أعمال للوزراء المعنيين بالتنفيذ ضمن جدول زمني وآليات تقييم وقياس محددة بجدول زمني ينتهي قبل نهاية العام.
الملف الثاني، وهو الأهم برأيي، يتمثل بالاستثمار، والذي يكتشف من يبحث فيه أن معيقات التنفيذ كثيرة. قصص شكاوى المستثمرين كثيرة عن مشكلات تواجههم من قبل عقليات لم تدرك بعد أن حل مشكلة الاقتصاد تكمن في هذا الملف، فلا توليد لفرص عمل حقيقية إلا من خلاله، وهو القادر على تحسين وتقوية الطبقة المنتجة وعلى عماد الطبقة الوسطى.
الملف الثالث الذي يعوّل عليه المسؤول هو التشغيل، والذي يربط بين كفتي الاستثمار وتشغيل الأردنيين، وكذلك ربط نسب العمالة الأجنبية بحصة الأردنيين من التشغيل بمعادلة مرنة تخدم كل الأطراف؛ صاحب العمل والأردنيين.
في تفاصيل المحاور الثلاثة السابقة، يبرز الزنبرك كعامل نجاح أو فشل، فضبط إيقاعه يعني الحد من ابتزاز المستثمرين، وضبط أداء المسؤولين والوزراء، وكبح جماح عقلية لم تدرك بعد أهمية الاستثمار.
وبما أن الحكومة باتت تدرك خطورة نظرية الزنبرك، فالأولى أيضا أن تلتفت لأخطائها وتتوقف عن اتخاذ قرارات جبائية تأخذها اليوم وتتراجع عنها غدا، وهي ترهق المجتمع والقطاعات الاقتصادية، وتربك المستثمرين وتدفع الجميع للتفكير بالرحيل.
رئيس الوزراء هاني الملقي قال إن الاقتصاد سيخرج من عنق الزجاجة مع نهاية العام، فهل ستتمكن حكومته من ضبط الزنبرك حتى تتحقق رؤية الملقي.
الغد