“مارش ملو”.. أحمد حسن الزعبي

لا أعرف من الذي اخترع المثل القائل: ” حط راسك بين الرووس وقول يا قطاع الرووس”..فهذا المثل تحديداً هو نموذج للانهزامية والاستسلام والتماشي مع التيار حتى لو كان تياراً جارفاً من مياه الصرف الصحّي..بما أن المصير “قطع الرأس” على كل الحالات كما يقول صاحب المثل..فليُقطع الرأس بكرامة أفضل من أن يقطع بذل وانبطاح وانهزام..

منذ أيام المدرسة لم أستوعب أن أضع رأسي بين الرؤوس ، لأنني لم أكن أؤمن بهذه النظرية القطيعية التي تحث عالمسايرة والتماهي مع السائد،لم أكن بطلاً ولم أسع إلى ذلك فقط كنت إنسانا يستطيع أن يميّز بين الأشياء ويقول الحق وقت اللزوم ويقف أمام الباطل وقت اللزوم أيضاَ ، مثلاً عندما كان يصفّق أولاد الصف للمعلم على زيادة علامة أو تأجيل امتحان أو إعلان رحلة أو يغرقون في مدح طُرفته التي لا تضحّك أصلاً، كنت أشغل نفسي بوضع الكتب في الحقيبة..او أحاول تسطير ما بقي من الدفتر من صفحات بيضاء..لأن الحدث لا يستحق كل هذا التبجيل ،كما قلت لم أكن بطلاً وقتها ، لكني في نفس الوقت لم أقبل أن أكون منافقاً..
**
أصبحت الكتابة ضرباً من ضروب الأشغال الشاقة هذه الأيام ،أخبار كثيرة ،وقضايا كلها موجعة ، وأنت بطبيعتك لا تستطيع أن تكتب الا ما تراه ، ولا تكذّب ما تسمعه، لا تستطيع ألا أن تقرع الجرس حتى لو صمّ الجميع آذانهم يأبون سماع الرنين..لا أستطيع أن أكتب عن فوائد قشر البصل للبشرة ، ولا عن اليانسون كأحد وسائل التنحيف الطبيعية ، أو أكتب مقالاً طويلاً عريضاَ عن الكلاب الضالة ومسؤولية البلديات ، في حين لدينا ما هو أخطر من الكلاب الضالة التي تعيش في بيئتها ولا تتعدّى على أملاك أحد..لا تستطيع أن تشغل نفسك وزاويتك بقضية ثانوية جداً جداً بينما الوطن كله ينظر اليك والى غيرك بعين الرجاء..
لا زلت أؤمن أن الكتابة فعل مقاومة يومي ضد الأخطاء والخطايا والفساد والفاسدين ، ورصاصتك ان لم تصب عليها ان “تدوش” اذا كنت مقاوم حقيقي..لذا لا تحشو مدفعك بــ”المارش ملو”..

مقالات ذات صلة