هل حقق نتنياهو شيئاً من أهدافه؟

محمد عايش

حرير- انتهت أطول حرب في تاريخ إسرائيل على الإطلاق. أمضى الجيشُ الإسرائيلي في غزة 471 يوماً لم يترك خلالها استراتيجية قتال ولا سلاحاً، إلا واستخدمهما، ثم اضطر أخيراً لوقف إطلاق النار والنزول إلى صفقة تبادل أسرى، كان من الممكن أن يتم التوصل إليها عبر التفاوض، ومن خلال الوسطاء، من دون الحاجة إلى كل هذا القتال.

في اليوم الأول لهذه الحرب، أي يوم الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه سيخوض حرباً شاملة، براً وجواً ضد غزة، وقال إن لهذه الحرب أهدافا ثلاثة: أولها استعادة الأسرى الذين تم اختطافهم ونقلهم إلى غزة، وثانيها إسقاط حُكم حركة حماس من غزة، وشل قدراتها وسحقها بشكل كامل، أما الهدف الثالث فهو تأمين مستوطنات غلاف غزة وإعادة سكانها الإسرائيليين إليها، بأمان ومن دون خوف.

بعد 471 يوماً من الحرب الدموية، أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار، وبدأت في عملية تبادل أسرى مع حركة حماس، وتبين أن نتنياهو لم يحقق أياً من أهدافه الثلاثة على الإطلاق، بل خرج مقاتلو الجناح العسكري لحركة حماس في موكب عسكري رهيب لتسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث إلى الصليب الأحمر، ليتفاجأ العالم بأن الأسيرات الثلاث يظهرن وهنَّ في أفضل حال، تحملُ كلٌ منهن كيساً يحتوي هدية تذكارية، فضلاً عن أن السيارات المستخدمة في الموكب لم يبدُ عليها أنها تعرضت لأي أذى مطلقاً، بل إن المفاجأة الأكبر أن المقاتلين جميعاً ظهروا بملابس نظيفة ومرتبة وعلى هيئتهم التي كانوا عليها في اليوم السابق للحرب.. لم يتغير لديهم شيء. لم يتوقف مشهد اليوم الأول لوقف إطلاق النار في غزة عند هذا الحد، وإنما كان اللافت بعد الـ471 يوماً من هذه الحرب الدموية أن مئات الآلاف من الفلسطينيين خرجوا في استقبال المقاتلين في الشوارع والاحتفال معهم بانتهاء الحرب، فيما كان الأطفالُ يتهافتون على التقاط الصور التذكارية مع مقاتلي حماس، وهو مشهدٌ لم يكن أحد لا في إسرائيل ولا خارجها يتوقعه، إذ عادة ما يخرج الناسُ منهكين من أي حرب وناقمين على من تسبب فيها.. لكن هذا لم يحدث في غزة.

فشلت إسرائيل إذن في تحقيق أي من أهدافها في القطاع، فلا هي استعادت أياً من أسراها بالقوة أو عبر هذه الحرب، ولا هي أسقطت حكم حركة حماس، أو حتى زعزعت وجودها وشعبيتها في الشارع، بل إن الظاهر أن حجم التأييد والدعم في غزة لهذه الحركة قد اتسع وزاد بفضل الصمود الأسطوري الذي لم يكن أحدٌ يتوقعه.

أما الهدف الثالث لنتنياهو، وهو تأمين مستوطنات الغلاف والمناطق المحيطة في غزة وشل المنظومة الصاروخية التي تملكها حماس، فهذا أيضاً يبدو أنه تبدد في الهواء، إذ كشفت وسائل الإعلام العبرية مؤخراً نقلاً عن مصادر في الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات، أن حماس بدأت تعيد تشغيل مصانع إنتاج الصواريخ، وهي مصانع لم ينجح الإسرائيليون في الوصول إليها طيلة الـ471 يوماً للحرب، لكن الأكثر خطورة بالنسبة للإسرائيليين هو أنهم اكتشفوا بأن كمية كبيرة من الذخيرة التي ألقوا بها على رؤوس السكان في غزة لم تنفجر، وهذه الذخيرة وصلت إلى أيدي المقاتلين، الذين نجحوا في إعادة تدويرها واستخدامها، وهو ما يعني في نهاية المطاف أن حماس أصبحت تقاتل الإسرائيليين بسلاحهم أيضاً.

يُضاف إلى هذا كله أنه خلال الـ471 اعترفت إسرائيل بمقتل نحو 900 جندي وإصابة آلاف الجنود الآخرين بجراح وبعضهم بإصابات أبدية، أي أن الإسرائيليين الذين قتلوا في حرب نتنياهو ضد غزة أكثر من أولئك الذين قضوا في عملية «طوفان الأقصى» ذاتها يوم السابع من أكتوبر 2023.

المؤكد اليوم أن نتنياهو فشل في تحقيق أي من أهداف حربه على غزة، وخاضَ أطولَ حربٍ في تاريخ إسرائيل ليسجل الفشل الأكبر الذي يُمنى به رئيس وزراء إسرائيلي، وانتهى به الأمر إلى مضاعفة خسائره، من دون تحقيق أي من أهدافه، مع الإشارة إلى أنه أول رئيس وزراء إسرائيلي مطلوب إلقاء القبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

مقالات ذات صلة