“انْكذَب لِي” عمر جديد..أحمد أبو خليل
إذا نظرت في أي من الشاشات التي تتكاثر أمامك بالتأكيد، وسواء كانت شاشة صغيرة على هاتفك، أو أكبر قليلاً على كمبيوترك، أو شاشة كبرى على جهاز تلفزيونك، فإنك ستطالع شئت أم أبيت، إعلانات تؤكد لك وبلا أدنى شك، سهولة العودة بعمرك عشر سنوات على الأقل.
والعمر هنا محسوب بمظهر الجلد، غير أن الإعلانات تفضل كلمة “بشرة” على كلمة “جلد”. وفي بعض الأحيان يقتصر التأكيد على عمر الجلد أو البشرة في موقع محدد من الجسد: تحت العيون أو فوق الحواجب، أو فوق الخدود أو بجوار الفم أو أطراف الرقبة، أو أبعد قليلاً نحو أسفل البطن أو الردفين.
بعض الإعلانات يحدثك عن تغيير سريع ومؤقت. وبالفعل، فقد تكون بحاجة ماسة لأن تبدو أكثر شبابا لمدة يوم واحد فقط، أو تكون مضطراً بسرعة وخلال دقائق لإخفاء بعض التجاعيد لأن هناك شخصاً من “كارهي التجاعيد” ستلتقيه بعد قليل ولا تود إزعاجه، ولكن حتى إذا كنت بحاجة لتغيير طويل المدى في بشرتك، فإن الإعلان يؤكد لك استعداده للقيام بذلك.
لا يترك الإعلان مجالاً للشك: شاهد الفيديو، أو انقر هنا لمطالعة الصور، منتجنا مضمون ومرخص. ونحن جاهزون لأن نُقشّر ونشد وننفخ ونَحْقن ونشفط ونعبئ ونزيل ونُمَلّس ونبيّض ونُلمع… لا نعجز أمام أي جلد بما في ذلك الجلد “المتمسح”.
من فضلكم، أرجو ألا يظن أحدكم أنني هنا أشكك أو أكذّب، فالشواهد كثيرة فعلاً.
سؤالي الرئيسي هنا: ماذا لو استجابت جميع النساء واستجاب جميع الرجال، وعادوا فعلاً إلى ما كانوا عليه قبل عشر سنوات؟ كيف ستكون علاقة الناس ببعضهم بعضاً، منظوراً إلى تلك العلاقة من زاوية عمر البشرة؟
إن الإجابة معقدة وتحتاج لبعض النقاش..
من المتوقع أن الناس سيتوقفون في العودة ببشرتهم عند سن محددة؛ سن العشرين مثلاً. وهذا يعني أننا بعد هذه السن، سنبدأ بالتساؤل إن كان العمر الذي يبدو عليه أحدنا هو “قبل” أو “بعد”، وسيختل دور الشكل في تحديد تراتب الناس من حيث “الشبوبية” الحقيقية، لأن هناك كتلة بشرية كبرى ستبدو في سن العشرين، بعضهم “قبل” وأكثرهم “بعد” الاستجابة للإعلانات.
هذا يعني أننا سننخرط في البحث عن العمر على الورق “في البطاقة”، بهدف التعرف على عدد السنوات التي جرى تخفيضها، حفاظاً على حقوق الناس في مرتبتهم في “سُلّم الشبوبية الوطني”.
المشكلة أن الإعلانات تعتمد العشر سنوات كحد أدنى لتخفيض مظهر العمر، وهذا يعني أن مَن هم (أو من هن) فعلاً في العشرينات سيتعرضون (أو سيتعرضن) لظلم شديد، لأن فتاة في الثلاثين على البطاقة، ستبدو بعد أن استجابت للإعلان، أصغر من فتاة في الثانية والعشرين فعلاً! وذلك لأن الإعلانات لا تعرض تخفيضاً في الأعمار “بالمفَرّق”، أي لا تعرض تخفيضاً لسنتين أو ثلاث.
أعرف أن اقتراحي سيفتح أسئلة جديدة، ذلك أن توحيد التخفيض إلى عشر سنوات، يسهل عمليات حساب العمر “قبل وبعد”، بينما يعمل اقتراحي بتجزيء التخفيض إلى وحدات أصغر، على إدخال الناس في موجات لا تنتهي من النميمة والنميمة المضادة، فالجميع سيميلون الى الزعم بأنهم اختاروا سنة واحدة أو اثنتين، ولن يعترف أحد بعشر سنوات!
حسناً، لنتفق على الأقل أن الناتج الوطني الإجمالي من النميمة سوف يزداد، وهذا بحد ذاته إنجاز.