كيف تستفيد إسرائيل من أزماتنا؟

محمد عايش

حرير- كلما نشبت أزمة داخلية في دولة عربية، أو أزمة بين دولة وأخرى في المنطقة، فإننا نكتشف أن إسرائيل هي المستفيد منها، أو أنها من بين من استفادوا، أو استطاعت لاحقاً لنشوب الأزمة أن تستثمرها وتوظفها لصالحها، وهذا ما يدفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن تل أبيب هي التي تشعل الأزمات في بلادنا العربية، عبر أدواتها وبشكل متعمد ومدروس، ولا تنتظر حدوث الأزمة حتى تبدأ الاستفادة منها.

ثمة أمثلة وأدلة كثيرة على امتداد تاريخنا العربي الحديث تؤكد هذه الفرضية، فقد كان الإسرائيليون أكبر المستفيدين من أحداث «أيلول الأسود» في الأردن، وبعدها استفادوا من الحرب الأهلية في لبنان، ثم استفادوا من حرب الخليج الأولى والثانية، واستفادوا من احتلال العراق وإضعافه، ثم استفادوا من الأحداث في سوريا والحرب في السودان، والقائمة تطول لأزمات لطالما تكبد العربُ بسببها خسائر فادحة، بينما كان الاحتلالُ يحصد المكاسب على حسابنا ومن أزماتنا.

بعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي، سارعت القوات الإسرائيلية إلى التوغل داخل الأراضي السورية، واحتلت قمة «جبل الشيخ»، التي تُعتبر موقعاً استراتيجياً مطلاً على كل من سوريا ولبنان، واحتلت مناطق واسعة من الأراضي السورية تزيد مساحتها عن مساحة قطاع غزة، وخلال عام واحد نفذت ما بين 150 إلى 200 انتهاك عسكري لسوريا، براً وجواً، ما يعني أن اتفاقية الهدنة المبرمة في عام 1974 لم يعد لها وجود، والخطوط التي تم رسمها لم تعد قائمة، بل إن ما تحقق لسوريا في حرب عام 1973 تبخر تماماً (بل وأكثر) في عام 2025.

الاستفادة الإسرائيلية من أية أزمة عربية لم تعد سراً، بل يعترف بها الإسرائيليون أنفسُهم ويتحدثون عنها في العلن، وتُخصص تل أبيب مراكز دراسات وأبحاث من أجل تحديد الأزمات التي يُمكن الاستفادة منها بالمنطقة، وكيفية التعامل معها.

وقبل أيام نشرت جريدة «معاريف» العبرية مقالاً للكاتب الإسرائيلي ميخائيل هراري، حذر فيه من تراجع «الاستفادة من حالة الفوضى التي أعقبت سقوط الأسد في سوريا»، حيث اعترف في مقاله بأن تل أبيب استفادت بشكل كبير خلال الفترة الماضية من التحولات التي تشهدها سوريا، لكنه يخشى من أن تتوقف هذه الاستفادة!

وقال هراري، إن وتيرة التطورات الإقليمية باتت «تبعث على الدوار»، وأشار إلى أنه بعد مرور سنة على انهيار نظام الأسد وقيام حكم أحمد الشرع في سوريا، يمكن وصف المرحلة بأنها قصة نجاح مبهرة على صعيد العلاقات الخارجية، رغم الصورة المعقدة في الساحة الداخلية، في إشارة إلى أن إسرائيل كانت ترغب في أن يكون النظام السوري الجديد معزولاً ومنبوذاً على الساحة الدولية، ومحاصراً حتى تتمكن من المضي قُدماً في تحقيق المكاسب والمنافع.

وأكد الكاتب في مقاله أن «إسرائيل ملزمة بأن تصحو بسرعة وتتبنى تفكيراً جغرافياً سياسياً يترجم تفوقها العسكري إلى تفاهمات سياسية»، محذراً من أن «اتخاذ إسرائيل صورة الساعي لإبقاء الفوضى سيضعها في صدام مع القوى الدولية، التي تريد المصالحة مع الحكم الجديد في دمشق». والاستثمار الاسرائيلي في الأزمات لا يتوقف على المنطقة فقط، بل يمتد إلى الأزمات العالمية والتحولات الكبرى في العالم، وهذا شاهدناه في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكيف استفاد رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون من تلك الهجمات، واستطاع حينها أن يُغير الموقف الأمريكي مما يجري في الأراضي الفلسطينية.

والخلاصة هو أنه ثمة الكثير من الاشارات والأدلة التي توضح كيف يستفيد الاسرائيليون من أزمات المنطقة والعالم، وثمة الكثيرون ممن يعتقدون على نطاق واسع بأن اسرائيل تقوم بافتعال بعض الأزمات، خاصة في بعض الدول العربية من أجل إضعافها وتفتيتها والاستفادة مما يحدث فيها.

مقالات ذات صلة