
كان يجب أن تمتدّ لتفرض مساراً تفاوضياً تحت الحجارة في مدريد
مروان إميل طوباسي
حرير – نستذكر اليوم بفخر واعتزاز ، الذكرى المجيدة لاندلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى انتفاضة الحجارة في 8 ديسمبر 1987 ، تلك اللحظة التي هتف فيها شعبنا موحداً : “لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة”، ورسمَ خلالها الفلسطينيون ، بصدورهم العارية ومناشيرهم التحريضية على الورق وجدران الشوارع وحجارتهم الصغيرة ومقاليعهم الخشبية واطاراتهم المشتعلة ، معادلة جديدة في الصراع مع المُحتل الغاصب .
لقد شكلت الأنتفاضة محطة نوعية في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني ، واستطاعت عبر المقاومة الشعبية المتجددة والمتنوعة أن تُثبّت السردية الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية التوراتية الإقصائية . وكانت مشاهد الحجر أمام الدبابة والنقلاع امام البندقية ، ولجان العمل الشعبي ، والقيادة الوطنية الموحدة في كل مخيم وقرية ومدينة ، عنواناً للانتماء الوطني ولإصرار شعبنا على دحر الأحتلال والتمسك بمنظمة التحرير في مواجهة محاولات خلق البدائل .
كانت الأنتفاضة فعلاّ شعبيًا خالصاً بقرار وطني شعبي وعفوي تحت راية واحدة فقط ، هي الراية الفلسطينية بألوانها الأربعة . وبفضل التفاف الجماهير حولها ، ظهرت اسرائيل أمام العالم على حقيقتها قوة أحتلال إرهابية عاجزة أمام إرادة شعبٍ أعزل .
واليوم ، وبعد كل ما جرى منذ ذلك الزمن ، يمكن القول بثقة إن الأنتفاضةـ لو استمرت بزخمها وطبيعتها الشعبية ـ كانت ستفرض شروطاً سياسية أفضل بكثير على دولة الأحتلال في مسار مفاوضات مدريد لو استمر . كان يمكن أن تكون مفاوضات “تحت الحجارة”، تستند إلى قوة كفاحية جماهيرية غير مسبوقة منذ بداية الأحتلال ، تُصعّب على الأحتلال الألتفاف على حقوقنا أو إفراغ العملية السياسية من مضمونها .
نستحضر تلك الأيام المضيئة لا فقط كتاريخ نفتخر به ، بل كدرسٍ حاضرٍ في وجداننا اليوم ، ونحن نرى شعبنا في غزة والضفة يعيد التأكيد على أن روح المقاومة الشعبية لا تموت . ونُجدد العهد للشهداء والجرحى والأسرى وجميع أبناء شعبنا الذين صنعوا تلك الملحمة الوطنية بأن تبقى راية فلسطين مرفوعة ، وأن تبقى إرادة التحرر الوطني أقوى من كل محاولات الأستئصال والإقصاء والهيمنة ومشاريع الحلوى الأمنية والأقتصادية وتصفية الجوهر التحرري لقضيتنا الوطنية .



