السودان وراء كواليس مبادرة الرباعية

د. الشفيع سعيد

حرير- لاتزال تصريحات الرئيس ترامب وتعهداته بوقف الحرب في السودان، مادة للنقاش والتحليلات في المنابر السودانية وغير السودانية.

وبتاريخ الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أجرى مؤسس موقع «سواحل» الإلكتروني، أليكس ثورستون، الأستاذ المشارك في كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة سينسيناتي الأمريكية، حوارا حول هذه التصريحات والتعهدات، مع كاميرون هدسون، السياسي الأمريكي المهتم بالسودان، والذي شغل عدة مناصب رفيعة في الحكومة الأمريكية، منها محلل في وكالة الاستخبارات المركزية، ومدير الشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي الأمريكي. ولقد رأيت تخصيص مقال اليوم، وربما المقالين القادمين، لمقتطفات من الحوار لاعتقادي بأهميته في إلقاء الضوء على فهم توجهات الإدارة الأمريكية والمبادرة الرباعية حول حرب السودان، مما سيساعد القوى السياسية السودانية في كيفية التعامل مع هذه التوجهات.

النقطة الأولى في الحوار كانت عن الديناميكيات الرئيسية وخطوط الانقسام داخل مجموعة مبادرة الرباعية. وفي ذلك يقول كاميرون هدسون، أن الرباعية نشأت من اعتراف الولايات المتحدة بأن دولاً إقليمية مؤثرة لها صلة قوية بحرب السودان، وتنافسها على النفوذ يزعزع استقرار المنطقة ويقوض أي فرصة لإنجاح عملية السلام. وتحدث هدسون عن إشاعة تقول إن المبادرة الرباعية تشكلت لأن مصر و/أو السعودية طلبتا بصمت من واشنطن مساعدتهما في التوسط لوقف إطلاق النار وبسط السلام في السودان. وأن مصر والسعودية والإمارات، اتفقوا، على الأقل خطابياً، على منع عودة الإسلاميين وأنصار النظام السابق إلى السلطة، ولكن بينما الإمارات ترى في هذه العودة تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وبذلت أقصى الجهود لمنع ذلك عبر دعمها الجارف لقوات الدعم السريع، فإن نظرة مصر والسعودية للإسلاميين السودانيين تبدو أكثر تعقيدا، إذ مع اعترافهما بتاريخ الإسلاميين السيئ، لكنهما يرونهم أيضاً قابلين للسيطرة تحت حكم عسكري أو مدني قوي. ويشير هدسون إلى المفارقة في موقف الرباعية عندما تقول علنا لا مكان لأي من الطرفين المتحاربين في الحكم في سودان ما بعد الحرب، بينما مصر والسعودية تريان في الجيش السوداني جسراً لأي انتقال ولا تخفيان التهديدات على أمنهما القومي من سودان يحكمه الدعم السريع، كما تريان في النزوح المدني الذي يرافق سيطرته على الأراضي عاملاً مزعزعاً لاستقرارهما السياسي والاقتصادي الداخلي، ويخشيان بالمثل زعزعة استقرارهما عبر الحدود كنتاج لأنشطة قوات الدعم السريع غير المشروعة، من الاتجار بالبشر إلى تهريب المخدرات والأسلحة، التي يعتقدان أنها سترافق حكم الدعم السريع؛ ناهيك عن مخاطر كيفية اختيار الإمارات لتوظيف دولة سودانية عميلة لتحقيق طموحاتها الإقليمية. ولهذه الأسباب، يعتقد هدسون أن واشنطن هي العضو الوحيد في الرباعية الذي يمكن أن يكون وسيطا حقيقيا بين الطرفين المتحاربين.

أما لماذا رفض البرهان اقتراح الهدنة، وهل هناك ما يبرر اتهامه للرباعية ومستشار الرئيس ترامب بعدم الحياد، يقول كاميرون هدسون: السودان ظل دائما، وعلى مدى عقود، يستخدم تكتيك اتهام الوساطات بعدم الحياد كجزء من جهوده لكسب اليد العليا وتجنب تقديم أي تنازلات مؤلمة. وضرب مثلا لذلك بإعلان السودان الممثلين المقيمين للأمم المتحدة، يان برونك (2006) وفولكر بيرتس (2023)، منحازين وغير مرغوب فيهما. وكذلك اتهامه الرئيس الكيني وليام روتو، عندما كان يقود جهود مجموعة الإيقاد للتوسط في بداية الحرب، بقربه من قوات الدعم السريع والإمارات. وأيضاً إعلانه عدم حياد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السابق، موسى فكي، بسبب جنسيته التشادية وعلاقاته الوثيقة بالإمارات. لكن، ورغم هذا التاريخ، يرى كاميرون هدسون أن اتهامات السودان بانحياز الرباعية ليست بدون أساس، داعيا إلى تفهم وجهة نظر الجيش السوداني القائلة بأنه لولا الإمارات لما اندلعت الحرب، لذلك لا يمكنها أن تكون وسيطا محايدا وطرفا محاربا في نفس الوقت. ويعزز هذا الادعاء أيضاً ظهور عدة مطالب إماراتية رئيسية في خريطة طريق الرباعية، مثل رفض أي دور للجيش في حكومة مستقبلية، إلى جانب اتهامات بتأثير الإسلاميين على الجيش. وهذا إلى حد كبير، بحسب هدسون، سبب دعوة البرهان لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لطلب تدخل ترامب الشخصي في الوساطة، بدلاً من العمل عبر الرباعية، لأنه يعتقد أنه سيحصل على نتيجة أقل انحيازاً وأكثر ملاءمة للجيش.

ويعتقد هدسون، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية، أن البرهان يرفض التفاوض مع الدعم السريع، لأسباب تكتيكية وسياسية، منها مخاوفه من رد فعل عنيف محتمل من العناصر الإسلامية والأكثر تشدداً داخل الجيش. لذلك، يشترط للموافقة على أي هدنة، انسحاب قوات الدعم السريع من المدن والأراضي التي تتحكم بها، وتجمعها في نقاط محددة تمهيدا لنزع سلاحها وتسريح مقاتليها. وهو يرى أن الهدنة في ظل التوزيع الحالي للقوى، كما تقترح الرباعية، ستعلي فقط من شأن قوات الدعم السريع وتمنحها الشرعية وتمهد لها الطريق لصياغة هوية سياسية بعد الحرب. ويقول هدسون، إن احتمال قبول الدعم السريع والإمارات لهذه الشروط يبقى ضئيلا جداً. وبالمقابل، والقول أيضا لهدسون، البرهان يدرك أن أي جهد لنزع سلاح قوات الدعم السريع يتطلب أولاً تسوية عبر تفاوض مباشر مع الإمارات، وهو طلب مرارا من الأمريكان تنظيمه، ومؤخرا، نجح في حث ولي العهد السعودي على طرحه مع الرئيس ترامب. ويعتقد هدسون أن العرض الذي قدمه البرهان لهذه التسوية ربما يشمل بنوداً لإنهاء دعم الإمارات لقوات الدعم السريع، ونزع سلاحها وإعادة دمجها في الجيش، والتزامها بتعويضات مالية عن الدمار الذي سببته. ويواصل هدسون تحليله فيقول، ومقابل ذلك قد يكون الجيش مستعداً لأن تحصل الإمارات على حقوق لتشغيل الميناء الرئيسي في السودان إلى جانب امتيازات تعدينية وزراعية طالما سعت إليها. وهذا على الأرجح هو الدور الذي طُلب من ترامب القيام به، لكنه لم يتبنه بعد. وسنواصل تباعا استعراض أهم نقاط الحوار.

مقالات ذات صلة